لماذا أنت مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ؟ 

مرصد طه الأخباري، لعلني لم أتصور أنني سأجد نفسي مضطرا ذات يوم للكتابة في هذا الموضوع وذلك يرجع لإعتقادي المطلق بأن مصادقة إيران هو الموقف الطبيعي الذي لا يحتاج شرحا لأن معاداتها عبارة عن كسر مقصود لمنطق الأشياء وإغفال متعمد لتأثير الجغرافيا وتناسي خطير لوقائع التاريخ، ولكني تحت سيف التساؤلات قررت الكتابة ليس تبريرا لرأي أؤمن به إقتناعا دون الإصرار عليه عنادا ولكن بالأساس لكي تكون أفكاري كلها واضحة بلا ظلال تعيق رؤية الملامح ومن غير مواربة تخفي حقيقة النوايا.

انني دوما ما أردد عبارة أراها كاشفة بأكثر من اللازم لحقيقة موقفي وهي”أن انتمائي العاطفي كله لمصر إلا أن ولائي العقلي كله لايران” وهي عبارة تحتاج توضيحا فقيمة أي موقف لا تكمن في إعلانه بل في تأصيله وهذا ما سوف أشرحه فيما هو قادم من نقاط:

1️⃣) من المؤكد أن تأييدي لإيران لا يرجع لسبب “عرقي” فأنا لست فارسيا يبحث عن بقايا “المدائن” أو يحن إلى قصور “كسرى”. كما أنه من المستحيل أن يكون السبب “مذهبيا” فأنا بكل وضوح لست شيعيا أرفع شعارات “الولاية” يوم الغدير ثم ألوح براية “الثارات” فى ذكرى كربلاء وإن كان هذا لا ينفي تقديري لحضارة فارس وشغفي بتاريخ الشيعة.

2️⃣) أنني من المؤمنين بأن توصيف الصراع بيننا وبين إسرائيل عبارة عن صدام حول الوجود وليس نزاع على الحدود وبالتالي لا بد أن ينتهى بفناء طرف وبقاء آخر وليقيني أن العالم العربي أكبر من أن يتم إبتلاعه، كما أن الشعب الفلسطيني أعمق من أن يكتمل إقتلاعه وهذا معناه أن “إزالة” إسرائيل حتمية مهما بدا الهدف اليوم بعيدا وصعبا، فإسرائيل كما هو معروف تستند فى بقائها على قوة السلاح وليس على شرعية القبول، والسلاح وحده لا يضمن مستقبلا ولا يصون وطنا لأنه قادر على فرض الأمر الواقع فقط بغض النظر عن اتساقه مع حقائق التاريخ وأحكام القانون وذلك الواقع متغير فمثلما لم يكن حاضرا بالأمس قد لا يكون موجودا غدا. ولقد قالها بوضوح المفكر اليهودي الشهير يوري افنيري في كتابه Israel without zionism “لا بد أن تطل إسرائيل على الماضي لتعرف أنه لا يوجد كيان راهن على القوة وحدها إلا إنتهى وتبخر من فوق الخرائط”.

3️⃣) إن الرئيس السادات قرر في لحظة ما أن حرب أكتوبر تشرين ١٩٧٣ هي آخر الحروب مع إسرائيل ثم سار وحده على طريق طويل وموحش نحو السلام المنفرد وهذا ما كانت تريده “تل افيف” بالضبط منذ البداية وأقصد عزل مصر عن الشام ولقد تحقق ذلك جغرافيا عام ١٩٤٨ بنيران البنادق ثم إكتمل سياسيا عام ١٩٧٩ بأوهام السلام.

4️⃣) إن اللحظة التي خرجت فيها مصر من ميدان الصراع دخلت بها إيران إلى حلبة المواجهة لتوقد ضوءا كان قد انطفأ وتحيي أملا كان قد مات. فأنا أستطيع القول أن تأثير مشهد هبوط السادات “بمبادرته” على مطار بن غوريون قد تلاشى بنزول الخميني بعمامته على مطار مهر آباد. في المشهد الأول كانت مصر تدخل عصر الغيبة وبالثاني كانت إيران تبدأ زمن العودة.

5️⃣) لقد استندت شرعية الثورة الإسلامية على أنها أطاحت بشاه إيران “شرطي الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة” على حد تعبير الرئيس كارتر للامبراطورة “فرح” بقصر نيافاران ليلة رأس السنة عام ١٩٧٧ حينما كان يراقصها تحت إنعكاس الشموع وعلى أنغام الموسيقى. فكثيرون من أبناء جيلي لا يعرفون كيف كانت طبيعة العلاقة بين إيران من جانب وأمريكا وإسرائيل من جانب آخر. ودعوني أنقل لكم محضر جلسة بالكرياه بين الجنرال عزرا وايزمان والجنرال حسن توفانيان لكي أعطي إشارة على شكل تلك العلاقات.

جنرال وايزمان: 

إنني أريد إبلاغ الشاه عدة امور: 

إسرائيل ترى إيران حليفها الاستراتيجي بالمنطقة. 

إسرائيل ستمد إيران بصواريخ أرض أرض بعيدة المدى. 

إسرائيل ليست لديها مانع فى أن تضع إيران محتوى “ذري” على رؤوس الصواريخ.

بل سوف أذكركم أيضا بما قاله ممثل الموساد لسنوات طويلة في طهران الجنرال يعقوف نمرودي “سوف يأتي يوم أروي ما فعلته تل افيف من أجل الشاه صدقوني وقتها لن تشعروا بالمفاجأه! ولكن سوف تصيبكم الصدمة”.

٦) حينما أسقط آية الله الخميني نظام الطاووس وأسس نظام الفقيه كان لا بد أن تستند سياسته الخارجية على أمرين.

الأول: عداء كامل للولايات المتحدة.

والثاني: رفض شامل لإسرائيل لأنه بغير ذلك ستتماثل المواقف ويتشابه الرجال وتصبح الثورة عبارة عن تغيير لأشخاص وليست تبديلا لسياسات، ولهذا لم يكن غريبا أن يكون شعار الخميني بالأساس “الموت لأمريكا”.

٧) طوال الأربعين سنة الماضية كان الهدف الرئيسي للولايات المتحدة وإسرائيل بهذه المنطقة هو إسقاط النظام القائم بايران.

في البداية حركوا صدام  وفشلوا، ثم راهنوا على العقوبات واخفقوا، ثم فكروا فى ضربة مباشرة وتراجعوا لتتحول إيران مع الوقت إلى عقدة مثل عقدة Gordyos بالاساطير الأغريقية حيث أن محاولة فكها خطر وقرار تركها أخطر.

٨) إن إيران لم تكتفي طوال تلك العقود بمراكمة قوتها وتطوير قدراتها، ولكنها نظرت إلى ما وراء الحدود، لتؤيد وتسلح كل من كان مستعدا لمواجهة إسرائيل من حزب الله ومن الحوثيين حتى الجهاد لتصبح صداعا بعقل واشنطن وتل افيف صداع لا علاج له ولا حل معه.

ببساطة أن موقفي من إيران يرجع إلى أنها تمارس الدور المصري بالستينات ولكن بصورة أكثر وعيا وفهما، وبطريقه أقل تهورا واندفاعا، حيث الوقوف ضد السياسة الأمريكية وردع الغطرسة الإسرائيلية ومحاولة إيجاد توازن قوى بمنطقة شديدة الحساسية، ولهذا أتعجب بعد كل ذلك من سؤال “لماذا أنت مع إيران؟” بكل وضوح لأن عقلي وضميري لا يسمحا لي أن أكون “على إيران”.

الكاتب العربي المصري الأستاذ أحمد العسكري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى