عمران خان زعيم باكستان الجديد يتخلى عن القصور وجيش من الخدم وينتقل الى منزل من ثلاث غرف
ويبيع اسطول السيارات الرئاسية.. وينحاز الى الفقراء.. ويقرر عدم الالتزام بالحصار على ايران.. وانهاء التبعية لأمريكا.. تماما مثل زعمائنا العرب!
الكاتب: عبد الباري عطوان
تتابع الولايات المتحدة الامريكية، والدول الغربية عموما الوضع في باكستان عن كثب، خاصة بعد وصول السيد عمران خان، لاعب الكريكت السابق الى منصب رئاسة الوزراء خلفا للفاسد نواز الشريف الذي يقبع حاليا خلف القضبان، لان هذا الرجل، أي عمران خان، ينحاز الى الفقراء وهم الأغلبية الساحقة في بلاده، ويضع محاربة الفساد، وإعادة تفعيل مؤسسات الدولة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وانهاء التبعية لامريكا على قمة اولوياته.
السيد خان بدأ بنفسه، واراد ان يقدم نموذجا مختلفا في السلوك السياسي والشخصي، عندما أعلن، وفور أدائه اليمين الدستورية كرئيس لوزراء البلاد، عن تخليه عن القصر الفخم المخصص له، وتحويله الى متحف، والاحتفاظ بخادمتين من اجمالي جيش من الخدم، قوامه 524 خادمة، والعيش في منزل صغير مؤلف من ثلاث غرف نوم، وبيع اسطول من السيارات المضادة للرصاص المخصصة له.
رؤية الزعيم الباكستاني الجديد تركز على الحفاظ على المال العام، وانتهاج سياسات تقشفية، وإعادة تشكيل هوية باكستان من خلال تطبيق نظام إسلامي للرعاية الاجتماعية، يحد من الفقر، ويقلص مستويات الدين العام المرتفعة الذي ورّثه إياه رؤوساء الوزراء السابقين الفاسدين.
الاعتماد على الذات، وتحفيز قيم العمل، والتحريض على الاستثمار الداخلي، وتفعيل نظام الضرائب، ومطاردة المتهربين منه، والاغنياء منهم خاصة، هي خلاصة الطموحات الأساسية لرئيس الوزراء الجديد.
الأهم من كل ما تقدم انه يطمح الى وضع حد لتبعية بلاده للولايات المتحدة، وهي السياسة التي حولتها لأداة، ورأس حربة في جميع الحروب الامريكية في المنطقة، وأفغانستان والعراق والهند على وجه الخصوص.
اعرف السيد خان شخصيا، عندما كان يدرس الاقتصاد في جامعة أكسفورد، وانخراطه في الأنشطة السياسية، اعرفه داعما صلبا للقضايا الإسلامية، وقضية فلسطين على وجه الخصوص، وشاركته زوجته الأولى جميمية هذه الأنشطة، وكانت من ابرز المعارضين للحرب على العراق، والرافضين للحروب الإسرائيلية في قطاع غزة وجنوب لبنان، وانتقلت، وهي ابنة مليونير، لتشاركه الحياه المتواضعة في باكستان حيث عاد لخوض مضمار السياسة.
هذا الرجل يحاول ان يعيد لباكستان هيبتها، واستعادة مكانتها، كقوة إقليمية إسلامية مهابة وذات شخصية سيادية مستقلة، وأول خطوة يتخذها في هذا الصدد رفضه الالتزام بالعقوبات الامريكية على ايران، وجعل طهران الى جانب الرياض العاصمة الإسلامية الأولى التي يريد زيارتها بعد توليه السلطة، وكأنه يريد ان يوجه رسالة الى البلدين مفادها انه ليس طائفيا، ومع الإسلام العابر للطوائف.
ليت زعماؤنا العرب الذين يتنافسون، ليس في الحفاظ على هيبة بلادهم وقرارها السيادي المستقل، وإلغاء كل اشكال التبعية لأمريكا، وانما في البذخ والقصور واليخوت واساطيل الطائرات الفارهة الخاصة، يتعلمون من السيد خان وسلوكه واجنداته للنهوض ببلاده، ووضع الفقراء المعدمين المسحوقين على قمة أولوياته.
في أوائل التسعينات من القرن الماضي، زرت الهند في معية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، واثناء هذه الزيارة قرر الرئيس الراحل ومن قبيل العرفان بالجميل، زيارة السيد راجيف غاندي، رئيس الوزراء الأسبق في منزله في ضواحي العاصمة نيودلهي، وأذهلني تواضع هذا المنزل وصاحبه، واثاث غرفة جلوسه البسيط، وهو ابن الاكرمين، فلم يكن قصرا فارها، ولم نر رهطا من الحراس يحيط به، وجيشا من الخدم في اروقته، ولا لوحات زيتيه بمئات الملايين من الدولارات تزين جدرانه.
عمران خان في باكستان، ومهاتير محمد في ماليزيا، وحليفا العرب، عبد الرزاق وشريف، يقبعان خلف القضبان بتهم الفساد وسرقة المال العام، انها ليست صدفة، وانما هي الحقيقة، فنحن كعرب لم نعد رموز الفساد، وانما البارعون في افساد الآخرين أيضا، واهدار ثروات هذه الامة فيما يضرها، ويشوه صورتها في العالم بأسره.
ارجوكم توقفوا عن التعامل مع الباكستانيين والهنود وباقي الجنسيات الآسيوية بتعال واحتقار بعد اليوم، فهؤلاء يطورون هويات وطنية قائمة على السيادة والاحترام، وامتلكوا قوة الردع النووي، واطاحوا برموز الفساد في بلادهم، واذا استمرت حال التدهور العربي الحالية، ولا يوجد مؤشرات توحي بعكس ذلك، سيكونون هم السادة ونحن الخدم في المستقبل القريب.. فهل هناك من يسمع ويقرأ من الزعماء العرب.. والأيام بيننا.