نساء وفتيات واطفال… في براثن العبودية الحديثة… 

مرصد طه الأخباري، قال خبراء أمميون، إن النساء والأطفال معرضون بشدة لخطر الوقوع في براثن أشكال الرق المعاصرة.

وحذر الخبراء، في بيان بالتزامن مع اليوم الدولي لإلغاء الرق الذي تحييه الأمم المتحدة في 2 كانون الأول/ ديسمبر، من أن التحديات العالمية مثل جائحة كورونا وتغير المناخ والنزاع المسلح قد ضاعفت من نقاط الضعف الحالية.

وفقا للأرقام الصادرة عن منظمتي اليونيسف والعمل الدولية في حزيران/يونيو، يتعرض ما يقرب من 80 مليون طفل ممن تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما لأعمال خطرة مصنفة على أنها شكل من أشكال الرق المعاصرة.

ويعمل هؤلاء الأطفال لساعات أطول أو في ظل ظروف متدهورة نتيجة الركود الاقتصادي وإغلاق المدارس بسبب كـوفيد-19.

وقد يجبر كثيرون آخرون على أسوأ أشكال عمل الأطفال، بسبب فقدان أسرهم الوظائف والدخل، ويشمل ذلك التجنيد الإجباري للشباب في الجماعات المسلحة والإجرامية.

وفقا لتقديرات غير رسمية استشهد بها الخبراء، تتعرض امرأة وفتاة واحدة من كل 130 امرأة وفتاة لأشكال معاصرة من العبودية مثل زواج الأطفال والزواج القسري، والسخرة المنزلية، والسخرة، وعبودية الدين.

وقال الخبراء المستقلون: “تسود مستويات عالية من الاستغلال في سلاسل التوريد العالمية، والتي غالبا ما تعتمد وتعزز استغلال العمالة وتعمق عدم المساواة بين الجنسين”.

وأكد الخبراء على أن “عدم المساواة بين الجنسين يكمن في صميم أشكال الرق المعاصرة”، لكنهم أشاروا إلى أن هذه الممارسات تغذيها أيضا أشكال متقاطعة من التمييز، مثل العرق والوضع الاجتماعي والاقتصادي والعمر والإعاقة والتوجه الجنسي ووضع الهجرة، من بين أمور أخرى.

وحث الخبراء الدول الأعضاء على إنشاء مسارات هجرة آمنة، إلى جانب سهولة الوصول إلى العمل اللائق والتعاون مع قطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التجارية.

وشددوا على ضرورة تعزيز مساءلة الجناة على سبيل الأولوية، “حيث يسود الإفلات من العقاب حاليا في العديد من الحالات”.

“يجب إنهاء الرق بجميع أشكاله بالنسبة للجميع، بمن فيهم النساء والأطفال في سياقات النزاع المسلح”.

واختتم الخبراء بالإشارة إلى أن العبودية وصمة عار على الإنسانية لا يمكن السكوت عليها في القرن الحادي والعشرين.

يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين لإنشاء صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للتبرعات الخاص بأشكال الرق المعاصرة. خلال هذا العام وحده، تلقى 18 ألف ضحية مساعدة حيوية من المنظمات التي يدعمها الصندوق.

بمناسبة اليوم الدولي لإلغاء الرق، ناشد الخبراء جميع الدول الأعضاء زيادة مساهمتها في الصندوق، أو تقديم مساهمة للمرة الأولى.

عدم المساواة يعزز التمييز

تتجلى أشكال العبودية بأساليب مختلفة عبر التاريخ، فإلى جانب الأشكال التقليدية من العمل القسري مثل السخرة والعمل سدادا للدين، يوجد الآن مزيد من الأشكال المعاصرة للعمل القسري مثل العمال المهاجرين الذين جرى الاتجار بهم بغرض الاستغلال الاقتصادي بجميع أنواعه في الاقتصاد العالمي، والعمل في مجالات الاستعباد المنزلي، والزواج القسري، والاستغلال الجنسي والتجنيد القسري للأطفال في النزاعات المسلحة.

وقال السيّد غوتيريش في رسالته: “تتأثر الفئات الفقيرة والمهمّشة، وخاصة الأقليات العرقية والإثنية والشعوب الأصلية والمهاجرين، تأثرا غير متناسب بأشكال الرق المعاصرة”، مشيرا إلى أن عدم المساواة بين الجنسين يزيد من تعزيز أنماط التمييز.

العبودية ليست مجرد بقايا تاريخية

وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن أكثر من 40 مليون شخص في جميع أنحاء العالم هم ضحايا للرق الحديث. وعلى الرغم من أن الاسترقاق الحديث غير معرف في القانون، فإنه يستخدم كمصطلح شامل يشمل ممارسات من قبيل العمل الجبري، واستعباد المدين، والزواج القسري، والاتجار بالبشر. وهي تشير أساسا إلى حالات الاستغلال التي لا يمكن للشخص أن يرفضها أو يغادرها بسبب التهديدات والعنف والإكراه والخداع و/ أو إساءة استعمال السلطة.

وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض أكثر من 150 مليون طفل لعمل الأطفال، وهو ما يمثل قرابة واحد من كل عشرة أطفال في جميع أنحاء العالم.

واعتمدت منظمة العمل الدولية بروتوكولاً جديداً ملزماً قانوناً يهدف إلى تعزيز الجهود العالمية للقضاء على العمل الجبري، التي دخلت حيز النفاذ في تشرين الثاني / نوفمبر 2016.

الأشكال الرئيسية للرق الحديث

قد تطور الرق وتجلى بأساليب مختلفة عبر التاريخ. وفي وقتنا هذا، ما زالت بعض أشكال الرق التقليدية القديمة قائمة على نحو ما كانت عليه في الماضي، وتحول بعض منها إلى أشكال جديدة. وتوثق التقارير التي كتبتها هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، استمرار وجود الأشكال القديمة من الرق المجسدة في المعتقدات والأعراف التقليدية. ونتجت هذه الأشكال من الرق عن التمييز القائم منذ عهد طويل ضد أكثر الفئات استضعافا في المجتمعات مثل: أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية والسكان الأصليين.

العمل القسري

تبين البحوث التي تجريها منظمة العمل الدولية أن العمل القسري يمثل مشكلة عالمية، ولا يوجد أي بلد محصن ضدها. وقد تكون الأزمنة والحقائق تغيرت ولكن الجوهر الأساسي للرق ظل قائما. وإلى جانب الأشكال التقليدية من العمل القسري مثل السخرة والعمل سدادا للدين، يوجد الآن مزيدا من الأشكال المعاصرة للعمل القسري مثل العمال المهاجرين الذي جرى الاتجار بهم بغرض الاستغلال الاقتصادي بجميع أنواعه في ا لاقتصادي العالمي: العمل في مجالات الاستعباد المنزلي، وصناعة البناء، وصناعة الأغذية والملابس، والقطاع الزراعي، والدعارة القسرية.

عمل الأطفال

بصورة عامة، وفقا لبيانات وفرتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)، يعمل طفل واحد من كل ستة أطفال. ويمكن تصنيف الغالب الأعم من عمل الأطفال بوصفه استغلال اقتصادي. وهذا الاستغلال الاقتصادي يخالف مخالفة صريحة اتفاقية حقوق الطفل، التي تعترف المادة 32 منها ’’بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي‘‘.

الاتجار بالأشخاص

ووفقا لبروتوكول منع وقمع الاتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال وقمعه والمعاقبة عليه، يعني الاتجار بالأشخاص تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم عن طريق التهديد باستعمال القوة أو استخدامها أو غير ذلك من أشكال الإكراه الغرض منها الاستغلال. ويشمل الاستغلال بغاء الغير أو غير ذلك من أشكال الاستغلال الجنسي أو العمل أو الخدمات القسرية أو الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاسترقاق أو استئصال الأعضاء. وموافقة الشخص المتجر به لأغراض الاستغلال غير ذات صلة، وإذا كان الشخص المتجر به طفلاً، فإنه جريمة حتى بدون استخدام القوة.

استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للاتجار بالنساء والفتيات

ودعت لجنة أممية تُعنى بحقوق المرأة الحكومات لاتباع جميع الوسائل المناسبة للقضاء على الاتجار بالنساء والفتيات، وسلطت الضوء على الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي في تجنيد ضحايا الاتجار بالبشر أثناء جائحة كوفيد-19.

وفي توصياتٍ عامة، أشارت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) إلى أن النساء والفتيات لا يزلن ضحايا رئيسيات للاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم، على الرغم من الأطر القانونية والسياساتية الحالية لمكافحة الاتجار بالبشر على المستويين الوطني والدولي.

ولفتت اللجنة الانتباه إلى الاتجاهات الأخيرة للاتجار عبر الفضاء الإلكتروني، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة والتي تسهل الوصول إلى الضحايا المحتملات عندما لا يتمكن المتاجرون بالبشر من استخدام طرق أكثر تقليدية لتجنيد النساء والفتيات للاستغلال الجنسي، لا سيّما خلال أوقات الإغلاق التي فرضتها جائحة كـوفيد-19.

رغم أن التقنيات الرقمية أتاحت إمكانيات جديدة لإحداث تأثير إيجابي داخل المجتمعات، إلا أنها تشكل تحديات أمنية جديدة على المستويين الفردي والوطني. وبحسب سيداو، يوفر استخدام العملات الإلكترونية أدوات لإخفاء المعلومات الشخصية مثل تحديد هوية الأطراف المعنية ومواقع الأشخاص، كما يسمح الفضاء الإلكتروني بإجراء مدفوعات مجهولة المصدر ودون الكشف عن الغرض من المعاملة.

كل ذلك يسهل عمليات الاتجار بالبشر، وإلى جانب ذلك، توفر قنوات الطلب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات التي تعمل في الظل وصولا سهلا إلى الضحايا المحتملين.

ودعت سيداو في توصياتها وسائل التواصل الاجتماعي وشركات المراسَلة إلى وضع ضوابط مناسبة لتقليص مخاطر تعريض النساء والفتيات للاتجار والاستغلال الجنسي. كما طلبت من هذه الشركات استخدام بياناتها لتحديد المتاجرين بالبشر والأطراف التي تقوم بالطلب. وقالت داليا لينارت التي قادت صياغة التوصيات في سيداو: “إن مكافحة الاتجار تستلزم أيضا تثبيط الطلب”.

ويطرح استخدام التكنولوجيا الرقمية في الاتجار بالبشر مشاكل كبيرة، خاصة أثناء جائحة كوفيد-19، إذ تواجه الدول الأطراف نموّا في الاتجار بالفضاء الإلكتروني عبر زيادة التجنيد للاستغلال الجنسي عبر الإنترنت، كما تسهل التكنولوجيا الاتجار بالأطفال لأغراض جنسية.

وقالت لينارت: “لقد كشفت الجائحة العالمية عن الحاجة الملحة للتصدي لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في الاتجار بالبشر ولمكافحته بها”.

ما الاتجار بالبشر؟

الاتجار بالبشر جريمة جنائية في القانون الدولي، وعلى الدول الأطراف التزام أساسي في التصدي للاتجار بطريقة تحترم وتحمي وتكفل حقوق الإنسان، ولاسيّما حقوق الفئات المهمّشة على النحو المنصوص عليه في مـيثاق الأمم المتحدة الأساسي، والمستمدة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

والاتجار بالبشر يشمل تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواءهم أو استقبالهم، عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو غير ذلك من أشكال الإكراه، أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة، أو منح أو تلقي مدفوعات أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.

ويشمل الاستغلال أيضا كحدّ أدنى استغلالا من أجل بغاء الآخرين أو غير ذلك من أشكال الاستغلال الجنسي أو السخرة أو الإجبار على العمل أو الاستعباد أو الممارسات الشبيهة بالرق والعبودية، أو المتاجرة بالأعضاء.

وتقرّ اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة بأن تعريف الاتجار بالبشر يتجاوز الحالات التي تم فيها استخدام العنف الجسدي حيث يتم حرمان المرء من حريته الشخصية.

وحث الخبراء في سيداو الحكومات على معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع بالنساء والفتيات إلى أوضاع هشّة. وتتركز هذه المشاكل في التمييز على أساس النوع الاجتماعي بما في ذلك الظلم الاقتصادي والاجتماعي في بلد المنشأ، وسياسة الهجرة المتحيّزة ضد النوع الاجتماعي وأنظمة اللجوء في البلدان الأجنبية فضلا عن النزاعات وحالات الطوارئ الإنسانية.

وأضافت لينارت تقول: “الاتجار بالبشر هو جريمة جنسانية ترتبط بالاستغلال الجنسي، يجب على الدول الأطراف تهيئة الظروف المناسبة لضمان أن تكون النساء في مأمن من مخاطر الاتجار”.

ودعت اللجنة إلى وضع سياسات عامة لتوفير الاستقلال الذاتي للمرأة والمساواة في الوصول إلى التعليم وفرص العمل. كما حثّت على وضع إطار للهجرة الآمنة يراعي المنظور الجنساني لحماية النساء والفتيات المهاجرات، وشددت على أهمية نظم الحماية والمساعدة الشاملة لمساعدة النساء والفتيات المشرّدات في النزاعات وحالات الطوارئ.

كما شددت اللجنة في التوصيات العامة على أن “الاتجار بالنساء والفتيات واستغلالهن جنسيا هو انتهاك لحقوق الإنسان، ويمكن أن يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين”.

هل تعلم؟

يُقدر عدد الأشخاص الذين يعيشون في الرق الحديث بنحو 40.3 مليون شخص، منهم 24.9 في السخرة و15.4 مليون في الزواج القسري.

وهناك 5.4 ضحايا للرق الحديث لكل 1,000 شخص في العالم.

1 من بين كل 4 ضحايا للرق الحديث هم من الأطفال.

ومن بين ال 24.9 مليون شخص المحاصرين في العمل الجبري، يتم استغلال 16 مليون شخص في القطاع الخاص مثل العمل المنزلي أو البناء أو الزراعة؛ و 4.8 مليون شخص في الاستغلال الجنسي القسري، و 4 ملايين شخص في السخرة التي تفرضها سلطات الدولة.

وتتأثر النساء والفتيات بصورة غير متناسبة بالعمل الجبري، إذ يمثلن 99 في المائة من الضحايا في صناعة الجنس التجاري، و 58 في المائة في القطاعات الأخرى.

ويُمثل اليوم الدولي لإلغاء الرق، 2 كانون الأول/ ديسمبر، تاريخ اعتماد الجمعية العامة لاتفاقية الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير قرار 317(IV) المؤرخ 2 كانون الأول / ديسمبر 1949).

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى