مباراة المغرب و الجزائر: أو درس الشعوب للمثقفين والفيفا والحكام، المقابلةأرسلت أكثر من رسالة

مرصد طه الأخباري، إن ما أعطى للمنازلة الكثير من الإثارة والتحريض المبطن،  التصريحات الهجينة لبعض المثقفين من الإعلاميين الخليجيين الذين اعتبروا أن البطولة تخص العرق العربي دون غيره،طه وذهبوا في تحليلاتهم الى احتقار شعوب أخرى مشاركة في البطولة خاصة المنتخبات المنتمية إلى المنطقة المغاربية، حين اعتبروها أمازيغية و غير عربية، وهم في ذلك على حق، لكن ليس للحد الذي يجعل تعليقاتهم تصل حد الوقاحة باعتبار  هذه البلدان ضيوف على البطولة، ومشاركتهم لا مغزى منها منها سوى ملء المدرجات بالجمهور المغاربي، كأنهم يقولون بذلك أن الكأس ستبقى  في النهاية للعرق العربي النقي. وهو للأسف وجه ٱخر من العنصرية البغيضة التي بدأت تطفو على السطح.

في كل الأحوال يمكن القول  أن المقابلة التي جمعت فريقي البلدين المغاربيين  الشقيقين أرسلت أكثر من رسالة.

– الرسالة الأولى للفدرالية الدولية لكرة القدم التي، باعترافها بهذه الكأس التي سميت عربية  تكون قد حاذت عن الأهداف الإنسانية لهذه اللعبة التي يراد منها تقريب الشعوب وتوطيد أواصر الصداقة بينها بعيدا عن الصراعات الإثنية والعرقية،طه وهو ما حذا  بها دوما إلى إبعاد صفة العرق عن أسماء  جميع البطولات العالمية التي عادة ما تأخذ ابعادا جغرافية إقليمية وقارية. كما أن ما أثاره الإعلامي السعودي فهد الشمري  من تصريحات عنصرية تجاه الأقوام الأخرى الناطقة بالعربية والمشاركة في البطولة، شأنه في ذلك شأن العديد من المثقفين الخليجيين، خير دليل على الخطأ الجسيم الذي سقطت فيه الفيفا بقبولها إطلاق كأس العرب على  هذه البطولة. هذا في الوقت الذي يفترض فيها إعطاءها إسما آخر جامع للمكونات العرقية والثقافية لشعوب إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط.

الرسالة الثانية : هي أن المباراة  التي جمعت فريقي الجزائر والمغرب كانت درسا  كرويا كبيرا  إن على مستوى الأخلاق العالية التي ميزت لاعبي الفريقين، أو على مستوى التقنيات الكروية التي أبدع فيها اللاعبون من كلا الجانبين، حيث أبهروا المتتبعين سواء من داخل المدرجات أو من خارجها، وهم بذلك يؤكدون أنهم لم يحضروا لملء المدرجات فقط، كما وصفهم الاعلامي السعودي، بل للتباري على المراتب الاولى ولم حتى الفوز بالكأس.

وفي رأيي المتواضع أعتبر أن الرسالة الثالثة وهي الأهم، بحكم انها تهم  الحالة التي تتسم بها العلاقات السياسية المتوترة بين البلدين الجارين، وأن ما شهدناه قبل وأثناء و بعد المقابلة الكروية، يحمل أكثر من دلالة حول أواصر الاخوة العميقة بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري، وذلك عبر ما استمتاعنا بلوحات  فنية وروح رياضية عالية بين اللاعبين  الذين لم يعيروا اهتماما للأجواء السياسية  المتشنجة بين حكومة بلديهما، واستمروا في لعب كرة قدم نظيفة، رغم الضغوطات النفسية التي تشوب مثل هذه المباريات. كما أن جمهور المشجعين  لم يخرج عن حدود اللياقة والأخلاق التي تعكس التضامن والأخوة  حتى أن جزءا من هذا  الجمهور كان مختلطا في المدرجات ويحمل راية البلدين، وبالتالي فإن المباراة بالنظر إلى إيقاعها الحماسي الذي ألهب المدرجات بما قدمه من فنيات كروية  وتهديف هنا وهناك والأخلاق العالية التي سادت أجواءها، جعلت الفريقين منتصرين رغم نتيجة ركلات الترجيح التي أعطت الأفضلية للمنتخب الجزائري الشقيق الذي نتمنى له التوفيق في مشواره في هذه البطولة، كممثل عن  البلدان المغاربية بالإضافة الى تونس.

ان المباراة إذن بما رافقها من ملابسات سبق ذكرها والتي كان  أبطالها الحقيقيين الشعبين المغربي والجزائري تكون قد وجهت رسائل قوية للنخب الحاكمة في كلا البلدين من أجل إعادة النظر في ما ينتهجونه من سياسات صدامية وعدوانية تهدد أمن وسلامة البلدين. كما أنها وجهت وهذا هو المهم رسائل أكثر قوة للمثقفين والإعلاميين والفعاليات المدنية في كلا البلدين حتى يقوما بدورهما   في إرساء جسور التواصل  بين الشعبين الشقيقين عبر خلق منتديات للفكر والحوار تضيئ تلك المساحات الداكنة في العلاقات المغربية الجزائرية التي تتلاعب بها بعض اللوبيات المتحكمة في القرار السياسي، والتي تعمل على إبقاء هذه العلاقات متوترة  لأسباب تتداخل فيها لغة المصالح الشخصية والاعتبارات السيكولوجية المغلفة بالمواقف  السياسية التي تجد مبرراتها في صراع المحاور على المستوى الدولي، وهو ما كشف عنه الرئيس الجزائري مع الأسف في تدوينته عبر تويتر حين هنأ ،على حق؛ منتخب بلاده على الفوز في المقابلة، لكن دون أن  تستدعي تلك الإيحاءات العاطفية التي تحيل  على ماضي شهداء الثورة الجزائرية في محاربة  الإستعمار الفرنسي، وهو بذلك كمن يشبه لعبة كرة القدم بين شعبين شقيقين بالحرب الإستعمارية .

ان هذا النوع من التصريحات والسلوكيات سواء من بعض  المسؤولين الجزائريين او من بعض المسؤولين المغاربة هي من ستؤدي  بمنطقتنا المغاربية إلى حافة الهاوية، وذلك إن لم تدرك هذه النخب  الحاكمة أن قوة المنطقة تكمن في إتحاد دولها وشعوبها خاصة مع ما  تتسم به من خصوصيات تاريخية  مشتركة وما تمتلكه من  إمكانيات عسكرية واقتصادية وبشرية  هائلة ومتنوعة  تحقق التكامل الضروري واللازم  لخلق منطقة مزدهرة و قوية، قادرة على المنافسة الاقتصادية و الدفاع عن مصالحها المشتركة ضد التهديدات التي تحدق بهذه المنطقة الجيواستراتيجية .

إن  السلوك الراقي  الذي عبر عنه الفريقين،  وما جسده اللاعبون ميدانيا والجمهور من داخل المدرجات، و من خارجها ، من اخلاق عالية تنم  عن أواصر الأخوة ببن الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري، يعد أكثر نضجا و استيعابا لأهمية إصلاح العلاقات السياسية و الديبلوماسية  بين البلدين الجارين  من نخبنا الحاكمة التي تبدو  منفصلة عن واقع شعوبها وتغرد من خارج  ما تنشده من حرية وديمقراطية وسلام .

طنجة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى