ما بعد الضربة الأمريكية لإيران.. هل سيبقى أحــد؟… الأسئلة الكثيرة والمخيفة… في هذه السحب!

مرصد طه الأخباري، هنالك سحب ما تتلبد بالسواد في الأفق المنظور لمنطقة الشرق الأوسط ، عنوان هذه السحب هو التحدي الإيراني الأمريكي ولكن الباطن يحمل مقاربة أخرى تاريخية تعيد تكرار نفسها  تتخذ صيغة أكثر دقة اسمها  ( البقاء – الإبادة ) ،  النبرة العدائية وطبيعة التصريحات التي تقفز من أوروبا ودولة الكيان والمسؤولين الأمريكيين خلال الأسبوعين الماضيين تبدو كأنها تتبع نفس الموجه ونفس المغرد وإن تعددت الوجوه وإذا أضفنا عددا كبيرا من التحليلات الصحفية التي وظيفتها التخويف والترهيب والتعبئة فنحن أمام جوقة أخرى تغرد مع نفس السرب ، هذا الجو المليء بالسحب المكفهرة والمنذرة بالسوء لم يأت من فراغ أو يتولد من العدم ، هنالك مقدمات وهنالك تبعيات وهنالك نتائج ودلالات .

شخصيا أنا لست محللا سياسيا ولا عسكريا ولا قدرة لي على الإتيان بشيء ولا الإدعاء بعرف الغيب  من هذا وإنما هي مجرد أفكار تراود مواطنا عربيا مثلي مثل الألوف من غيري وكل كلماتي تخضع للمنطق وشيء من الترجيح والفرضيات التي يمكن تفنيدها أو تعزيزها بأشياء كثيرة .

هنالك أسئلة كثيرة يمكن أن تدور في مخيلتنا حول هذا الصراع الطويل ، السؤال الأول الذي يقدم الأرضية المناسبة للكلام حول ايران وطبيعة الصراع الدائر في المنطقة منذ الثورة اسلامية على شاه ايران في السبعينات وحتى يومنا هو : لماذا تريد أمريكيا  أو دول الغرب أو دويلة الكيان رأس ايران ؟ ما المشكلة في ايران والتي لا تتفق مع معايير هؤلاء  ؟ ما الذي يثير حساسيتهم لهذه الدرجة وحتى هذا الزمان ؟ هل المشكلة هي سعي إيران لآمتلاك مفاعل نووي وما يترتب على ذلك ؟

حقيقة البرنامج النووي الإيراني الغائبة عن الكثيرين أنها  ليست وليدة السنوات القليلة الماضية ودعونا نعود بالذاكرة إلى اتفاقية الطاقة النووية الايرانية – الأمريكية عام 1957 والتي بموجبها أمدت  الولايات المتحدة وعززت وسمحت ببناء المفاعل النووي الايراني إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي وضعته حاكما بالقوة  والذي كان يطمح لإلحاق بلاده بالركب النووي تحت جناحها ، دعونا نتذكر أيضا ان   الولايات المتحدة  منحت هذا البرنامج فلز اليورانيوم المخصب بنسبة 93%  في عام 1967 والذي كان بالإمكان استخدامه لإنتاج قنبلة ذرية مباشرة  ! المسألة إذا ليست البرنامج النووي ولكنها قصة من الذي يمكن السماح بوضعه  بين يديه وطبيعة النوايا التي تحكم الأيدي التي تلعب بهذه الطاقة المهددة ، إذا ما هو موضع التخوفات ؟.

الإجابة هي عنوان  واحدة : الثورة الإسلامية ! …….لم يكن الخوف من ايران قادما من برنامج نووي أو تصنيع عسكري أو التدخل في العراق أو اليمن أو لبنان أو سوريا  فلدينا نماذج تمتلك السلاح النووي ولكنها تخضع للمواصفات الأمريكية  بالتمام والكمال ، التهديد الحقيقي من ايران قادم من العقيدة والفكرة التي استلمت الحكم في ايران ومن طه طبيعة نظرتها وأحكامها الفقهية  حول الحضور الأمريكي وذراعه الصهيوني في المنطقة  ومحاولة الصعود الحضاري فوق نفوذ قديم يهيمن على المنطقة ولا يقبل ابدا بأي نوع من المناوءة أو المعارضة لحضوره ونهجه ، إنها مذهبية متمسكة تقارب المذهب الحنبلي لدى السنة  في طريقة حكمها على  صحة حياتها وعقيدتها ، هذا الفكر يشكل خطرا وجوديا وزمانيا ممتدا على كامل الخطط الأمريكية ويدعون عليه بكلمة مفصلة خصيصا لتبرير الهجوم عليه وهي ( التزمت والتشدد )  فما بالكم إذا تمكن من إتمام برنامج تسليحي وصاروخي بعيد المدى ؟ ما بالكم إذا تمكن من إمتلاك رأس نووي أو تهديد يلوح به بنفس هذا القدر من القوة ؟

المنحى الإيراني تمت محاربته بعدة وجوه وعدة حيل وعدة استراتيجيات دون هوادة ولا فتور وهذا القرار تم إتخاذه منذ لحظة فشل العملية الأمريكية في تحرير الرهائن في السفارة الأمريكية في العام 1979  في فترة حكم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ، كان أول هذه الاستراتيجات الحرب العراقية – الإيرانية بالوكالة والتي دامت ثماني سنوات حسوما لم تبقي ولم تذر ، لم ينجح أحد في القضاء على رأس التهديد الحقيقي وإسقاط نوعية نظام الحكم على الرغم من فداحة الخسائر البشربة والمادية ، المحاولة التالية طه لإسقاط ايران كانت من خلال احتلال العراق وإسقاط نظام  صدام  وارسال الإنذار إلى الجانب الايراني بأننا أصبحنا بقربكم وقواعدنا تتحضر لكم ، تم زرع الفتنة الطائفية وتصعيد العداء الممتد نحو الشيعة والذي لا يزال فاعلا حتى يومنا هذا كسلاح تعبوي وتحضيري للشعوب لإستنكار  وتحسس الوجود الإيراني  وزرع حقل من الكره اللامنتهي المستحضر من الأحقاد التاريخية وبقيادة مرجعيات دينية ، المحاولة الثالثة كانت من خلال الترويض والسيطرة الدولية بفرض طوق رسمي بشكله الدولي الأقوى من خلال وكالة الطاقة الذرية التي تمثل عصابة الأقوياء ورقابتهم  على أي نشاط نووي يهدد عروشهم في هذا المضمار وهذا الترويض اتخذ صيغة أساسية اسمها اتفاقية لوزان في العام 2015 ! ، الرد الايراني الوقائي والاحتياطي كان بالتمدد شرقا وغربا من خلال دعم ومؤازرة كل الحركات المناهضة للنهج الأمبريالي والأمريكي المتصهين .

المحاولات التالية لكبح ايران لم تتوقف من خلال ما سمي بمنهجة  العقوبات وتجميد الأرصدة الإيرانية وبشكل غير أخلاقي ومنع تصدير كل التقنيات نحو إيران وكسر عمودها الفقري بمحاصرة تصدير النفط والذي يمثل عصب الاقتصاد ، ألعوبة الربيع العربي ومهما كان من صيغها ومبرراتها إلا أنها كانت فرصة داخل فرصة لتجديد فكرة الحصار والتطويق والردع للوجود والروح الايرانية التي انتشرت في العراق ولبنان واليمن وسوريا تحديدا وفعلت ما فعلت سواءا اتفقنا أو اختلفنا.

الألاعيب التالية كانت بمحاولة صناعة ثورة داخلية ومعارضة نظامية تخريبية وهجمات سيبرانية تعكيرية وتكوين بذرة احتجاجات وانتفاضات في الداخل لمحاولة إسقاط نموذج النظام الإيراني وصنع شكل كرتوني يحاكي الأنظمة الخليجية او نظام الشاه المجرم  ، كل هذه المحاولات باءت بالفشل ولم تسقط ايران لا شعبا ولا حكومة في الفخاخ الأمريكية وأثبت الآيرانيون ذكاءا وإصرارا وقدرة مناورات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة حيال هذه الالاعيب التي اشترك فيها الوجود الأمريكي والاوروبي والصهيوني والخليجي ، الشعب الذي اختار الثورة الإسلامية للإطاحة بنظام الشـاه الذي سامهم سوء العذاب أجمع على هذه القيادة وهذا النهج وليس من السهل العبث بعقله ، الحرب السورية الداخلية كانت محاولة أخرى من بعيد لترويض وتركيع ايران التي لعبت بذكاء وجرأة في موقعها السياسي المتوقع وما سبب إمتداد هذه الحرب وتبعاتها إلا لأن الأمريكيين فشلوا في إخضاع ايران من هذا الجانب .

السؤال الثاني : ما الذي سيترتب من خسائر وتدمير في المنطقة لو وقعت الضربة التحالفية الصهيونية ضد الثورة الإسلامية في ايران ؟

من المؤكد ان الطرف الأمريكي لا يلعب دون اوراق وضمانات متنوعة بين يديه متفقة مع طبيعة التحركات الاستراتيجية الكبرى التي يلعبها ، من المؤكد ان الأمريكان يمتلكون رصيدا من التقنيات التسليحية والعسكرية التي يصعب على العقول تصورها أو تخيل وجودها ولو وقعت هذه الضربة فسوف يكون الهدف منها متشعب الغايات  أوله إسقاط التهديد الايراني وإنهاء الحالة المعلقة التي طال أمدها وآخر هذه الغايات فرز ريش الطاووس الأمريكي العسكري امام الصين اولا ثم روسيا ومن بعدهما الأقرب فالأقرب ،طه تمتلك الترسانة الأمريكية قائمة طويلة من الأسلحة التي يعلن منها جزء ويخفى جزء آخر منذ زمن بعيد  ليحظى بعنصري المفاجاة والترويع تماما كما حصل مع اليابان في الحرب العالمية الثانية ، لا مجال لمقارنة التسليح الأمريكي الذي يشتغل منذ أكثر من مائة عام في علوم التسليح والقتل والتحكم وتوجيه الضربات القاضية وبين الإمكانات العلمية والتقنية والعسكرية الايرانية المتواضعة -وطبعا هذا لا يعني ولا يقلل من الشان الإيراني ولا يرفع ولا يعني انتصار الجانب الامبريالي المتصهين  – ثمة تسريبات كثيرة وقعت في الماضي لنوعيات جديدة من الأسلحة المستندة إلى البحوث العلمية الأشد فتكا بالعنصر البشري والكتل البشرية لغايات الإبادة واسقاط أعددا هائلة من الضحايا ونحن هنا نتكلم عن اسلحة الدمار الشامل التي أتهم بها العراق كي يجري احتلاله بينما يتبرأ منها المجرمون قتلة الشعوب والبشر وكل أشكال الحياة.

الطفرة التقنية التي تمكن الأمريكان جيدا منها  منذ ما يزيد عن خمسين سنة فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية  تتمثل في زرع تقنيات الذكاء الصناعي داخل مقذوفاتهم وربطها بأنظمة الأقمار الصناعية الكثيرة  لكي تحظى باعلى الاحتمالات بوصولها للأهداف وبأعلى نسبة دقة وهذا ما لا يتوافر لدى الأطراف الأخرى ويمنح الأمريكان قسطا كبيرا من الثقة بالنفس والقدرة على تحطيم الروح المعنوية للجانب الآخر .

إن فكرة الإستخدام الرادع للقنابل النووية هي مسألة غير واردة في الحسابات الأمريكية مهما بدا من الأمر لأن التجربة السابقة الأقرب في اليابان علمت الأمريكيين فداحة الثمن الذي سيقترفونه حتى لو تمكنوا من فعلها ، إن التبعيات الناشئة عن ضربة من هذا النوع ليست في مكان الإحتمال لأي طرف من الأطراف اولا لأنها لن تردع القوات الإيرانية ذات سعة الانتشار الأكبر ، وثانيا بسبب أن التأثير سيعم كامل المنطقة ويصيب كافة القواعد الأمريكية وغيرها وسيكون لعنة تابعة على الكيان الصهيوني وحلفائه وسيخسر منها الأمريكان أكثر مما يربحون .

السؤال الثالث : هل يمكن لأمريكيا أن تفعلها ؟

لو كان السياسي الأمريكي متأكدا من نتائج فعلته وإنعدام قدرة الطرف المضروب على الرد كما حصل مع العراق إبان غزو بغداد لما تردد لحظة واحدة في تنفيذ هذه التهديدات ولو كان الأمريكان قادرون فعلا على تنفيذ هذه الضربة لكان الأولى بهم الرد على كوريا الشمالية التي تهدد وتتوعد صراحة بضرب كيان الولايات المتحدة المباشر وجميع قواعدها المقيمة في الشق الجنوبي وفتح حرب شاملة عليها إن هي فعلت شيئا كهذا ، ولو كان الأمريكان متأكدون من قدرة نظام العقيد القذافي سابقا على توجيه أية ضربة  ضدهم لما شلحوه من برنامجه النووي والكيماوي والذي لم يشفع له أبدا في الإطاحة به ، وهذا الدرس تعلمه الإيرانيون جيدا !

ضرب ايران يعني بالحرف الواحد زلزلة شاملة لكل العرش الأمريكي المتواجد في المنطقة بطوله وعرضه وهذا يعني أن الكيان الصهيوني الذي أمضى من عمره ما يزيد عن المائة سنة في البناء والتعمير والتخطيط للمستقبل  عليه أن يعيد حساباته جيدا لأن الأمر ينطوي على مسألة العودة لنقطة الصفر والتضحية بعدد هائل من سكان ( دولة الوعد الإلهي ) التي هي من الأصل لا تتحمل صلية صاروخية ايرانية واحدة  ، ممالك الطفيليات  التي عاشت سنوات طويلة تحت ظل الحماية الأمريكية عليها أن تفكر جيدا لأنها مهما أحكمت الطوق وركبت القبب الحديدية وفعلت كل ما باستطاعتها فلن تكون ناجية من النتائج المترتبة على الانفجار الكبير الذي لا يبدو أن أحدا قادرا على استقباله أو تحمل تبعاته أو تصور مسارته ومآلاته النهائية على االرغم من مسرح التحضير الكبير الممتد من تسوية لبنان وتحضير الأردن وحصار غزة وحتى طريق الحرير الاسرائيلي الذي تم رسمه جيدا خلال السنيتين الماضيتين !

الأمريكيون يمتلكون قناعة قوية بأن الوقت قد طال زيادة عن اللزوم في المسألة الإيرانية التي لم تفلح كل الطرق في حلها ولكنهم يرون بأعينهم بأن الإيرانيين لم يصلوا ذروة التهديد الحقيقي لأن السياسات السابقة أخذت فعلها وقصقصت الكثير من ريش الجناح الإيراني المحلق الذي يعود للنمو كل مرة  خاصة بوجود الشق المتعقل والمتمسك بالحلول السلمية من القيادة الإيرانية  التي وافقت وقبلت بتحجيم نشاطاتها النووية مقابل بعض المكتسبات ،طه ولولا تعظيم الخطر الإيراني من طرف الكيان الصهيوني لما كان موضوع ايران سيحتل تلك الأهمية والثقل الكبير على طاولة الأولويات الأمريكية .

الحالة الأمريكية اليوم تواجه التهديد الأكبر والأخطر الذي سيقوض عروشها المستقبلية والذي يسمى الصين !  يدرك المخطط الأمريكي تماما أن أية ضربة موجهة لإيران من المقياس الضخم والأكبر ستعني فتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات مغايرة ومخالفة  ، وتدرك الصين تماما أن أية موافقة على ضربة نووية لإيران تعني بالحرف الواحد بداية النهاية لعرشها  وأية موافقة روسية عليها ستعني تلجيم أحلام قيصر روسيا الصاعد بقوة ، وعندها كل ممنوع ومحظور سيدخل في باب الممكن والمرجح مع القضية الصينية التي تمثل الثقل والكابوس الحقيقي في رأس السياسي الأمريكي وليس ايران ولا برنامجها النووي لأنها فعليا في حيز جغرافي لا يمثل أي تهديد حقيقي للأمن القومي  الأمريكي ، بل للمحمية الأمريكية المسماة دولة الكيان والنائب عن حضورها في الشرق الأوسط.

إن السؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على محو إيران  بضربة نووية وإعادتها إلى بيت الطاعة الأمريكي صاغرة يشبه تماما سؤالا بالحجم المصغر  فيما إن كانت السعودية قادرة على ترويض وإنهاء جماعة انصارالله في اليمن الحزين  ،  ويشبه تماما فيما إذا كانت دولة الكيان قادرة على إنهاء الحالة المستعصية في غزة والنيل من قيادات المقاومة وصفوفها وعتادها  ، ويشبه تماما فيما إذا كانت مافيات الأوطان قادرة على إنهاء حالة حزب الله في لبنان !…….. السعودية والتحالف الذي قادته لم يتمكن بعد ست سنوات طويلة من كسر شوكة أبناء اليمن ولا النيل من انصار الله ، ودولة الكيان لم تتمكن لا هي ولا حلفاؤها ولا عصاباتها العربية من تصفية المقاومة لا في فلسطين ولا في لبنان ولا العراق فكيف بإيران إذا ؟

يدرك الأمريكيون جيدا أن ضرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيعني فتح النار على مملكتهم الممتدة على كامل رقعة الشرق الأوسط وخسارتهم لحزمة واسعة من مصادر الطاقة والمعادن والأراضي والقواعد التي لن تعود صالحة للعمل طيلة عشرات السنوات ،  إنه قرار يعني ويقضي بترك المنطقة والرحيل منها بلا رجعة والاستغناء عن مستمعراتهم وعبيدهم بالكامل لأن المنطقة ستغرق في خاصية الشتاء النووي لعقود من الزمان ولن يهم مجاعات ولا هجرات ولا أعداد الضحايا التي ستخلف وراءهم .

إن الضربات  الوحيدة التي سيغامر بها الكيان بإتخاذ القرار بشن هجومه ستكون فقط يدي إيران إن هي قررت توجيه ضربتها القاتلة لدولة الكيان وتصفيره من جديد .

السؤال الأخير : من نحن ومن إيران ؟

نحن الشعوب المستضعفة التي تشترك مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دين واحد وشعار واحد وعدو واحد ،   نحن الشعوب التي تريد حقوقها ومصيرها بين يديها ، إيران وضمن المسار الطويل الذي تسير فيه منذ سنوات طويلة وهي تقف على حافة الشفرة تمكنت من الصمود أمام كل أشكال الهجمات والمؤامرات وحافظت على جبهتها الداخلية طيلة هذه المدة ولم تسمح لنفسها بالتهور ولا الخنوع ولا التذلل لأي طرف كان ، ايران واصلت خططها ونهجها القومي والوطني دون محايدة و لا مواربة ولا خوف من أحد وهذا حقها وحق كل دولة تحترم نفسها في العالم  ، ولو كنا على ما يرام فسوف نسلك سلوك هذه الدولة ، إيران في مقامها الحالي تمثل الجهة الوحيدة التي تقف حجر عثرة في وجه المشروع الاستعماري الكبير الذي يركض في المنطقة بلا رقيب ولا حسيب ، لها ما لها وعليها ما عليها من المآخذ ولكن  من يتمنون الخراب والدمار لإيران لا يختلفون في شيء عن اولئك الذين كانوا يدعون الله على المنابر لكسر الاتحاد السوفياتي أو يشربون المعسل الأمريكي في مقاهي العم ســام  ، كانت انهيار الاتحاد السوفياتي فاتحة للعنة عظيمة على كامل المنطقة العربية مهما أعجبنا أو لم يعجبنا  والذي فتح الباب امام البسطار الأمريكي المجرم ليدوس ويمحق ويفقر  ويعربد ويعيد تشكيل بلادنا وشعوبنا على مزاجه المتصهين ، نحن نعجب بالنموذج الإيراني كما نعجب بالنموذج الكوري الشمالي والفنزويلي والكوبي ليس لأننا ننظر إلى دياناتهم او عقائدهم او حضارتهم او أي شيء آخر بقدر ما ننتصر لأنفسنا عندما نرى هؤلاء يحققون ما فشلت فيه الأنظمة العربية من الوقوف والتحدي في وجه الخضوع والركوع للبسطار الأمريكي .

ماذا  ومن سيقاتل الأمريكان وبنو اسرائيل وبنو عربائيل ؟ هل تريدون الاطاحة بمقاتلين اسمى امانيهم الشهادة لاجل بلادهم ولاجل عقيدتهم ؟ ……. هل يمكن لمدمني الجنس والمخدرات والمتعة والمال والشذوذ الجنسي ان يقاتلو الذين يزهدون في دنياهم طمعا في نصرة بلادهم وعقيدتهم الراسخة  ؟ ……..هل يمكن لمدمني القتل والسرقة والذبح تحت شعار المجد الامريكي والاسرائيلي ان يهزموا جيشا يؤمن  ان الموت حياة  وان بلاده هي رمز كرامته وبقائه ؟ ……هل يمكن لدولة مارقة مصنعة من بقايا الجيتو وفتات السفالة والدموية والرذيلة وقطران المؤامرات ان يهزموا أمة بأكملها بقنبلة ذرية ؟ ………..هل يمكن لكيان مارق تم تجميعه من رابش الشعوب والتاريخ  قبل مائة سنة أن يهزم دولة ضاربة في التاريخ منذ أكثر من ألفين وخمسمائة سنة وتقيم على أرضها الطبيعية بثبات وقوة ؟

هل يريدون حربا على ايران وإنهاء صوتها وصوت المقهورين الذين يهللون من خلفها ؟ فليفعوا ذلك لأننا مللنا ولم تعد تفرق كثيرا ما بين المحيى والممات لأننا نموت كل سنة مائة مرة  ! لقد قرفنا من هذا الزمان الطويل المغمس بالذل والمهانة وعيش المكابدة والحرمان والتفكير مثل الماشية الموضبة في الحظيرة ! ………..هل تريدون ضرب ايران وإنهاء برنامجها النووي ؟ تفضلوا وافعلوا ما تجود به مخيلتكم من القتل والتهجير والتدمير ولكن اعلموا أن شعوب العرب والمسلمين قاطبة لها قلوب تكظم الغيط وتكاد تنفجر من شدة كرهها وغضبها ومعاناتها مما تفعلون بنا طيلة عقود من السنوات ……. هل تعتقدون أن حماس وحزب الله وانصار الله والحشد الشعبي هم فقط من سيقفون مع ايران والشعب المسلم ؟ كل الشعوب المقهورة والتي تعاني من جرائمكم طيلة السنوات سوف تقف مع ايران لأنها أصبحت أيقونة الوقوف ضدكم ……. لقد بلغ السيل الزبى وارتقى نوح السفينة الثانية ولم نعد نشعر بالغرق .

من يشاهد ويتامل طبيعة الجرأة في التحركات السياسية الاقليمية العربية  التي تم تدشينها في المنطقة بحضور المهرج ترامب تحت شعار ( صفقة القرن )  وبصحبة فيروس كورونا الذي تم ركوبه تماما مثلما تم ركوب الربيع العربي يجد أنه امام سياسات ومفاجأت لا تصدر إلا عن أطراف ( مستقوية ) بالأمريكي ومطلعة على خطط إنهاء الحالة الإسلامية في ايران لأن الوقاحة التي نراها تظهر فقط في حالة المنتشي بالنصر ، من يشاهد الهرولة والتطبيع وافتتاح المربط الشرقي والغربي للقلاع الصهيونية في الربع العربي  يتصور أنه أمام حالة إجماع وتحالف وتنسيق يذكرنا بتحالف حفر الباطن ! ولكن هذه المرة سيكون الرأس الإسلامي الإيراني هو المطلوب وليس رأس العراق ولا سوريا ولا اليمن ولا لبنان .

قد يكون متاحا في الحيز السياسي والزماني أن يقدم الأمريكان وعصاباتهم على اقتراف جريمة ضد ايران ولكنها لن تكون نهاية ايران ولا سقوط نظام الجمهورية الاسلامية الذي يثير ذعرهم وخوفهم ، لن تسقط ايران لا بضربة نووية ولا تقليدية لأنها الشعب والأرض والروح التي تجتمع معا منذ أزل التاريخ  ، إنما ستكون نهاية كيان الزعرنة المارق في غفلة من الزمان ، ستكون نهاية كل المستعمرات الأمريكية الناطقة بالعربية وكل العصابات التي سامت شعوب العرب سوء المعاش وسوء المنقلب ، افعلوا ما شئتم  وإن غدا لناظره لقريب  !

المهندس خالد شحام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى