لماذا كان إغتيال الشهيد سليماني خسارةً كُبرى يَصعُبُ تعويضها؟.وما هو السّبب الحقيقي الذي عجّل بتصفيته؟..

مرصد طه الأخباري، لماذا كان اغتيال سليماني خسارةً كُبرى يَصعُبُ تعويضها؟… المُرشد الأعلى توعّد بثأرٍ مُزلزل فكيف يكون؟… اغتِيال ترامب مثلًا؟… وما هو السّبب الحقيقي الذي عجّل بتصفيته؟…وماذا قدّم لفِلسطين من خدماتٍ غيّرت كُلّ المُعادلات…

عندما يستقبل الإمام السيّد علي الخامنئي المُرشد الأعلى الإيراني أُسرة اللواء قاسم سليماني بمُناسبة الذّكرى الثانية لاغتِياله بطائرةٍ مُسيّرة، وبأمْرٍ من الرئيس دونالد ترامب، ويؤكّد أن من وقفوا خلف عمليّة الاغتيال هذه سيدفعون ثمنًا غاليًا لجريمتهم الإرهابيّة هذه، فهذا يعني أن الهجمات الصاروخيّة التي استهدفت قواعد عسكريّة أمريكيّة في مطار أربيل، أو “عين الأسد” في الأنبار ليست كافية، حتّى لو جرى تفكيك هذه القواعد ورحيل القوّات الأمريكيّة كلّها، إن الانتِقام الأكبر قادمٌ لا محالة.

خسارة ايران، ومحور المُقاومة بشَكلٍ عام من جرّاء اغتيال اللواء سليماني، كانت ضخمة جدًّا، فالرجل كان أكبر بكثير من منصبه الرسمي المُعلَن كقائد لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، فعلاوةً على قُربه من المُرشد الأعلى، واعتِباره الرّجل الثاني وبمثابة ذراعيه الأيمن والأيسر في إيران في نظر الكثيرين، كان الحاج سليماني (وهو اللقب المُحبّب إلى قلبه) المهندس الحقيقي، والأب الشّرعي للدّور الاستِراتيجي الإقليمي الإيراني في المِنطقة والعالم المُتمثّل في الأذرع العسكريّة المُوازية وغير الرسميّة، في لبنان والعِراق واليمن، وفِلسطين المحتلّة (قطاع غزّة)، والوجود العسكري لمحور المُقاومة في سورية، ودوره في التصدّي للمُؤامرة، كما أنه القائد الحقيقي الذي يقف خلف الهزيمة الأمريكيّة الكُبرى والمُذلّة في أفغانستان، فهو الذي كان يقف خلف تسليح حركة “طالبان”، وتنظيم صُفوفها في مُواجهة الاحتِلال الأمريكي، وكان هذا الملف من صميم اختِصاصاته، وأرسل نائبه في حينها، وخلفه في رئاسة فيلق القدس اللواء إسماعيل قاآني، ليكون قائدًا ميدانيًّا، وضابط اتّصال بينه وبين قيادة حركة طالبان، ونَجْزِم بأنّ هذا الدّور في أفغانستان هو الذي دفع الرئيس ترامب لإعطاء الأوامر باغتِياله بتنسيقٍ ومُساعدةٍ إسرائيليّة.

لا نعرف كيف سيكون الانتِقام الذي سيشفي غليل المُرشد والمُؤسّسة الإيرانيّة الدينيّة الحاكمة في طِهران، ولكنّنا نستطيع أن نتكهّن بأنّ إخراج جميع القوّات الأمريكيّة من العِراق أوّلًا، ومنطقة الشّرق الأوسط برمّتها ثانيًا، سيكون على رأس سُلّم الأولويّات الإيرانيّة في الأشهر القليلة القادمة، سواءً جرى التوصّل إلى اتّفاقٍ نوويّ أو عدمه.

ما زال هُناك 2500 جندي أمريكي إلى جانب ألف أُخرى من قوّات التّحالف على أرض العِراق، وكُل البيانات الرسميّة العِراقيّة بأنّ جميع القوّات الأمريكيّة قد انسحبت، وباتت مُهمّة هؤلاء الباقين استشاريّة ولأغراضِ التّدريب فقط هو خِداعٌ وتضليلٌ وضَحِكٌ على الذّقون.

ما هي هذه الاستِشارات التي يُقدّمها 3500 جندي أمريكي وأوروبي؟ وهل تحتاج هذه المُهمّة لكُل هذا العدد من “المُستشارين” ثمّ ما هو التّدريب الذي يُقدّمونه للجيش العِراقي؟ وهل انهِزامه، وفرار عشرات الآلاف من جُنوده في الموصل وغيرها، أمام قوّات الدولة الإسلاميّة (داعش) بملابسٍ مدنيّة، وبعد التخلّي عن أسلحتهم الخفيفة والثّقيلة، هو نتاجُ هذا التّدريب والاستِشارات العسكريّة الأمريكيّة التي كلّفت الخزينة العِراقيّة عشرات المِليارات من الدّولارات، بشَكلٍ مُباشر أو غير مُباشر؟

اللواء الحاج قاسم سليماني له دينٌ كبير في عُنُق العرب، والفِلسطينيين المُقاومين خاصَّةً، لأنّ كُل هذا الصّمود، وهذه الانتِصارات والتّدريب، وتكنولوجيا الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة وهندسة الأنفاق باتت في حوزةِ فصائل المُقاومة الإسلاميّة في قِطاع غزّة، يعود الفضل فيها إلى استراتيجيّته، وإشرافه المُباشر، وأكّدت مصادر عالية المُستوى في حركات المُقاومة الإسلاميّة في القِطاع أن سليماني زار القِطاع فِعلًا، وقضَى فيه عدّة أيّام، والتقى مع قِياداتها، وخاصَّةً كتائب القسّام.

نختم هذه المقالة بشهادة السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله التي ذكرها في أحد خطبه الأخيرة، وكشف فيها أن اللواء سليماني طلب منه شخصيًّا، الذّهاب إلى دِمشق، والطّلب من الرئيس السوري بشار الأسد أن يتجاوز خِلافاته مع حركة “حماس”، وأن يُعطي تعليماته بإرسال شُحنات من صواريخ “كورنيت” السوريّة الصُّنع، المُضادّة للدّروع، التي أبلت بلاءً حسنًا في حرب تمّوز عام 2006، في تدمير أُسطورة دبّابة “الميركافا” فخر الصّناعة الإسرائيليّة، ولم يتَردَّد الرئيس الأسد لحظةً في تلبية هذا الطّلب، والكلام هُنا للسيّد نصر الله، ومُنذ وصول هذه الصّواريخ للقِطاع لم تجرؤ الدبّابات الإسرائيليّة على التوغّل مِترًا واحِدًا فيه، أمّا كيف وصلت هذه الشّحنات من الصّواريخ وعبْر أيّ طريق، فهذا ما لا يعلمه إلا أربعة أشخاص، الرئيس الأسد، واللواء سليماني، والسيّد نصر الله، والمُجاهد محمد الضيف رئيس كتائب القسّام.

المُصاب في اغتِيال اللواء سليماني كبيرٌ جدًّا، ولكنّ أمّتنا الإسلاميّة ولّادة، لا تعترف بالفراغ، وقادرةٌ على إنجاب العُقول المُقاومة الجبّارة وتعويض الشّهيد بالتّالي.. والأيّام بيننا.

عبد الباري عطوان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى