صحيفة فرنسية تحذر من خطر جفاف نهر الفرات
بعد أن “كانت المياه تصل إلى الضفاف، وكانت الأسماك والطيور وافرة، وكان الناس يأتون للسباحة ويقومون برحلات على متن قارب في البحيرة” كما يتذكر (بحنين) سائق سيارة الأجرة عبد الله (40 عاما) قبل أن تجف البحيرة تماما في أبريل/نيسان الماضي.
صور الخراب
ولم يبق من البحيرة سوى بركة منتصف فوهة بركان تبلغ طولها 5 كيلومترات ويبلغ عرضها كيلومترين اثنين، يقول يوسف جابر مسؤول البيئة بمحافظة المثنى “بحيرة ساوة الحالية لا تتجاوز 5 إلى 10% من مساحتها الأصلية، ولن تعود أبدا إلى مستواها السابق. وإذا تمكنا من الحفاظ على هذا المستوى، فسيكون ذلك إنجازا”.
بدأ مستوى المياه في الانخفاض عام 2015، وذلك عائد -كما يقول جابر- لأسباب مرتبطة بتغير المناخ “لمدة 3 سنوات لم تهطل الأمطار ودرجات الحرارة في بعض الأحيان تتجاوز 50 درجة مئوية في السماوة، وقد أغلق زلزال صغير الينابيع التي تغذي البحيرة، إضافة إلى مسؤولية النشاط البشري المحلي، حيث أدى نقص المياه إلى اشتداد المنافسة بين الصناعيين والمزارعين والمربين للاستيلاء على المورد الثمين، وتم حفر الآبار بشكل غير قانوني في الصحراء المجاورة مما استنزف الكثير من المياه الجوفية التي تغذي البحيرة”.
وقد أدت قلة الأمطار الموسمية وانخفاض منسوب الأنهار أدى إلى تقلص احتياطي المياه بنسبة 60% مقارنة بعام 2021، حتى إن مدينة غارقة من العصر البرونزي ظهرت في خزان الموصل الجاف على نهر دجلة.
وبحسب الصحيفة فقد تجاهلت سلطات بغداد المشكلة منذ فترة طويلة رغم التقارير المثيرة للقلق من وكالات الأمم المتحدة وخبراء البيئة، إذ صنف برنامج الأمم المتحدة للبيئة العراق بين 5 دول هي الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر، وقد انخفض التدفق التراكمي لنهري دجلة والفرات اللذين يوفران 98% من المياه السطحية بالعراق خلال عقدين من الزمن بأكثر من النصف، فانتشر التصحر في 39% من البلاد وطغت الملوحة على 54% من الأراضي الزراعية، مما تأثر به 7 ملايين عراقي، قد يصبحون قريبا نازحين بسبب المناخ.
وتضيف الصحيفة: نهاية عام 2020، أطلقت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، خطة وطنية للتكيف مع تغير المناخ بتكلفة 2.5 مليون دولار، أضيفت إليها ميزانية طارئة بقيمة 3 ملايين في مايو/أيار 2022، بعد جفاف بحيرة ساوة وتكاثر العواصف الرملية، إلا أن ذلك قليل جدا ومتأخر جدا في نظر الخبراء والمتشككين في قدرة القادة السياسيين الغارقين في الفساد على معالجة المشكلة وجها لوجه، حسب تعبير الصحيفة.
التحكم بكل قطرة ماء
منذ عام 2014 وخطة العمل العالمية ضد أزمة المياه خاملة في الأدراج، رغم أن الحاجة إلى المياه تزداد كل عام تحت الضغط الديموغرافي، حيث يقدر أن عدد سكان العراق سيزيد من 40 إلى 70 مليون نسمة بحلول عام 2050، في حين يقر باسم مسعود المسؤول عن المياه الجوفية بوزارة الموارد المائية، بالقول “وفقا لتوقعاتنا الأكثر سوداوية، ستصبح البلاد غير صالحة للعيش بحلول عام 2040” إذ تقدر الوزارة أن دجلة والفرات يمكن أن يجفا في وقت مبكر من عام 2040.
ومع أن الوقت قد حان لأن يغير العراق النموذج ليحقق انتقاله من “دولة غنية بالمياه” إلى “دولة تعاني من ندرة المياه” يجادل وزير الموارد المائية السابق حسن الجنابي بأن المشكلة الرئيسية هي “التدخل البشري في الأمور المائية، حيث تم بناء 100 سد وخزان على طول نهري دجلة والفرات، ليتم التحكم في كل قطرة ماء” وبالتالي يعاني العراق من المشاريع المائية التي طورتها دول المنبع.
وكانت محافظة المثنى حيث تقع بحيرة ساوة من أولى المناطق التي عانت من أزمة المياه، مما يهدد وظائف 70% من 900 ألف نسمة يعيشون على الزراعة وتربية الماشية، مما اضطر المزارعين إلى حفر الآبار لالتقاط المياه الجوفية، وقد غادر كبار المزارعين النهر لتطوير مشاريع زراعية بالصحراء لري ما يقرب 25 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بالقمح والشعير “فانخفض منسوب النهر وأصبح الماء أكثر ملوحة”.
معضلة الوزارة
وفي مايو/أيار الماضي عندما انتهى حصاد القمح، عادت المياه إلى السطح في قاع بحيرة ساوة، وعندما أوقفت مصانع الإسمنت الأربعة وأعمال الملح نشاطها لفصل الصيف، ارتفع منسوب المياه مرة أخرى، وعليه فإن سلطات المثنى تواجه معضلة في الموازنة بين الاهتمامات البيئية والاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، مع أنه.
وقد حظرت السلطات زراعة الأرز في جميع أنحاء الوادي الخصب، كما يؤكد المسؤول بوزارة الموارد المائية “لقد حظرنا المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الأرز، ولدينا تصاريح محدودة للمحاصيل البديلة مثل الذرة والبرسيم”.
وختمت صحيفة لوموند بما قاله مور العوضي من أن “إدارة المياه الحكومية كارثية وبيروقراطيتها تقتلنا، إنها إذلال يومي” مؤكدة وجود نقص واضح في التخطيط بوزارة الموارد المائية، حيث يقول مسعود “نحن نعمل في سياق طارئ بسبب الجمود السياسي الذي يحول دون تشكيل الحكومة والتصويت على الميزانية، (مما) يصعب وضع إستراتيجية. والمشكلة أنه كل مرة تتغير فيها الحكومة، تتغير معها الخطة وحتى الإستراتيجية طويلة المدى”.