ما بعد كأس العالم في قطر 2022، لكن لا تهمنا النهاية بقدر ما تهمنا البداية

مرصد طه الإخباري، تابع العالم مجريات المنافسة الكروية التي جرت في قطر من ٢٠ نوفمبر إلى ١٨ ديسمبر من سنة 2022، و التي  فازت فيها الأرجنتين بالكأس.

لكن لا تهمنا النهاية بقدر ما تهمنا البداية؛ افتتاح كأس العالم، ذلك الحفل الذي تضمن الكثير من الرسائل و العديد من الإشارات، و لعل أبرزها كلمة الممثل مورگان فريمان، ” يبدو العالم أكثر بعدًا     و انقسامًا، كيف يمكن للعديد من اللغات             و الثقافات أن تتجمع إذا تم قبول طريقة واحدة فقط”، ثم أضاف أيضا “ما يوحدنا هنا في هذه اللحظة أكبر بكثير مما يفرق بيننا”.

فهذه كلمات تحمل في طياتها الدعوة للوحدة، و الحث على إنهاء الاختلاف و الدخول تحت سقف واحد، أي حكم واحد.

و لتأكيد ذلك تمت تلاوة آية من القرآن الكريم  ” يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَ أُنثَىٰ وَ جَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَ قَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (سورة الحجرات الآية 13).

و هذه الآية ترجمها غانم المفتاح بغير معناها،”لقد تربينا على تصديق أننا مشتتون على هذه الأرض كأمم و قبائل حتى نتمكن من التعلم من بعضنا البعض و نجد الجمال في اختلافاتنا”.

فهذه الترجمة تحريف لكلام الله و توظيف للقرآن بغير مقتضاه و في غير موضعه، فالله يؤكد على الاختلاف، إذ يقول في سورة هود ” وَ لا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”. [118-119].

و الدعوة لإنهاء الاختلاف و تبني خلفية دينية واحدة، تَوَجّه تدعو له الإبراهيمية التي تسعى لجمع الديانات الثلاث؛ اليهودية، المسيحية و الإسلام في ديانة واحدة بحجة أن هذه الديانات الثلاث تفرعت عن النبي إبراهيم عليه السلام.

و رأينا عدة محاولات السنة الماضية استهدفت إحداث تقارب بين اليهودية و المسيحية و الإسلام.

فالحرب حرب أفكار في المقام الأول، فعقيدة في المرتبة الثانية ثم حرب اقتصاد و سياسة، فالمخططات التي تركز على الشرق الأوسط تستهدف محو الشخصية الحضارية العربية الإسلامية، و دمجها في حضارة عالمية يتم الإعداد لها على نار هادئة.

و بعدما تحدث مورگان فريمان و في لحظة من اللحظات، كانت في ساحة الملعب ثلاثة مربعات، كل مربع يتضمن عدة أشخاص، و سرعان ما انصهرت تلك المربعات في مربع واحد، أكيد هذه إشارة بعدة دلالات، منها، انصهار الديانات في دين واحد…

و عند الوقوف على مشاركة مورگان فريمان مع الشاب القطري غانم المفتاح، فاختيار هذين الشخصين لم يكن اعتباطيا، ف”مورگان فريمان” يدل على الغرب القوي بينما غانم المفتاح يدل على الشرق المريض العليل.

هذه رسائل أرادوا تمريرها، لكن لم تنجح و سنبين ذلك بعد قليل.

و من بين الأسباب الأخرى التي كانت وراء اختيار مورگان فريمان أنه لعب دور الإله في فيلمين اثنين، الأول تحت تحت عنوان bruce almighty سنة 2003 و الثاني Evan almighty سنة 2007.

و حركة مد يده ليد للشاب القطري دون لمسها تذكرنا بلوحة الخلق ل”مايكل أنجلو” الذي رسم الإله يمد يده لآدم، و هذه رسالة مشفرة إلى أن الغرب يلعب ( أو سيلعب) دور الإله في علاقته بالشعوب الأخرى.

و في عدة محطات من مشاهد الافتتاح كان بعض الرجال و النساء يشكلون دائرة و يرتدون نفس اللباس، و هذه إشارة أخرى لإنهاء الاختلافات بين الذكور و الإناث و الدعوة لجنس ثالث، حتى أن منظمة الأمم المتحدة قالت لا يجب قول النساء الحوامل بل الأجدر قول الأشخاص الحوامل.

فالرجل و المرأة يجب أن يصبحا متشابهين، أو معياريين بتعبير “ألدوس هكسلي” في روايته “عالم جديد شجاع”.

و كما علم الجميع، فالغرب كان يسعى لترويج المثلية و الشذوذ الجنسي لكن لم ينجح في ذلك بسبب منع قطر لتلك الأنشطة، و تم ضرب تلك الأجندة في العمق عندما ظهرت أمهات اللاعبين المغاربة، و ما لذلك من دعم و مساندة نفسية و معنوية كبيرة، و هو تأكيد واضح على أهمية الأسرة و دور الأم في بناء الشخص القوي النافع لنفسه و مجتمعه.

إضافة لهذه الركيزة الاجتماعية الأساسية، أبانت الشعوب العربية عن التحام و احتفال إبان انتصار منتخب المغرب، و هذا يدل على أن اللحمة الحضارية لا زالت حية لم تمت رغم محاولات قتلها و دفنها.

فالحضارة العربية تضعف و تضعف و لكن لا تموت، و المؤرخ الإنجليزي ” أرنولد توينبي” قال بأن الحضارة العربية يمكن أن تنسحب من الساحة الحضارية لكنها سرعان ما تعود و لا يستطيع خصومها الإجهاز عليها.

فالشعوب العربية خصبة و فيها الكثير من الطاقة و قادرة على العطاء و الإبداع في كل الميادين، فقط تحتاج إرادة سياسية و سياسة حكيمة و ساسة شجعانا.

كما يجب الوعي بخطورة ما يحاك في دهاليز السياسة ( الدولة العميقة) التي تروم ضرب العقيدة و الأسرة و جمع الناس تحت سقف ثقافي واحد، عن طريق التستر تحت مخطط ” تآخي الشعوب” الذي تم وضعه في نهاية القرن التاسع عشر، و يتم إحياؤه اليوم تحت غطاء ” الأخوة الإنسانية”.

منير علام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى