كيف تُوظّف الدول العُظمى الجماعات المسلّحة في سوريا وأوكرانيا؟

مرصد طه الإخباري، تَشهدُ العلاقات الدولية مرحلة تجرّدها من منظمومة الاسس و الثوابت التي حكمتها ،بعد الحرب العالمية الثانية .

لم تعدْ المواثيق و القوانين الدولية والاتفاقيات و المعاهدات مَرجعاً موثوقاً و مُلزماً للدول في علاقاتها البينيّة ، انتهاك السيادة و الاحتلال و الاعتداء العسكري والحصار و العقوبات هي ،اليوم ، الممارسات السائدة في العلاقات الدولية ، والتي تتعارض مع ميثاق الامم المتحدة و القيم الانسانية ، و تتعارض ايضا مع حقوق الانسان و الحريات والديمقراطية .

 

أصبحت القوّة هي شريعة و مرجع العلاقات الدولية ، وهي وسيلة الدول العظمى في فرض اراداتها وسياساتها ، وحتى القوة ! لم تعدْ تتمثّل بجيوش نظامية تلتزم بقوانين الحرب وبالمواثيق الدولية ، وانما بجماعات مسلّحة ،اغلبها خارجة عن القانون ، وغير ملتزمة بقوانين الحرب والمواثيق الدولية ،تديرها وتسيّرها دول عظمى ودول ساندة للدول العظمى ، وهذا ما شهدناه في تجارب تنظيمات القاعدة و داعش و الجماعات المسلحّة الاخرى و المرتزقة الذين كانوا ولا زالوا ادوات في خدمة و توظيف الادارة الامريكية .

استخدمت امريكا ( دولة عظمى ) الجماعات المسلحة ،و بمختلف مسمياتها ،بهدف زعزعة واسقاط انظمة و دول وتفتيت مجتمعات ،او اضعافها ،او تهديدها كما حدثَ ويحدث الآن في العراق وفي سوريا ، وتستخدم اليوم روسيا ( دولة عظمى ) جماعات فاغنر ،كقوات ساندة و داعمة للجيش الروسي في معارك اوكرانيا ، وفي جمهورية افريقيا الوسطى وفي ليبيا .

وتجدر الاشارة ،ونحن نذكر ليبيا ، الى زيارة السيد وليم بيرز ،رئيس وكالة الاستخبارات الامريكية ، الخميس الماضي ٢٠٢٣/١/١٩ ، ولقاءه الرسمي مع رئيس الحكومة في طرابلس ، و مطالبته لحكومة طرابلس بضرورة اخراج قوات فاغنر الروسية من الساحة الليبية .

و تتبادل الدولتان ( امريكا و روسيا ) التصريحات و الاتهامات بتوظيف الجماعات المسلحة . قبل ايام اتهمت روسيا امريكا بنقل مقاتلي داعش و جبهة النصرة من ادلب الى اوكرانيا ،لمساندة الجيش الاوكراني ؛ واتهمت امريكا روسيا بتسهيل دخول ٥٠ الف من مقاتلي فاغنر الى اوكرانيا

حالة امريكا و الجماعات المسّلحة ( داعش و القاعدة ) تختلف عن حالة روسيا وقوات فاغنر الروسيّة :

تتعامل امريكا مع جماعاتها المسلحّة المنتشرة في سوريا والعراق والمنطقة بأزدواجية التعريف و التصنيف ؛ تصفهم او البعض منهم و اعلاميا بالارهاب ، ولكن واقعياً توظّفهم لمآرب سياسية ،وتمدّهم ،مباشرة او بشكل غير مباشر بالمال و بالسلاح و بالدعم المطلوب ، و الاعتداء على سيادة سوريا ،أرضاً و نفطاً ، في الوقت الحاضر ،خير دليل على ذلك ! تستخدم امريكا جماعتها المسلّحة لابعاد عقائديّة في تفتيت المجتمعات و اثارة الفتن الطائفية و القومية ، وتدمير الدول ،وبما يضمن مصلحة وهيمنة المشروع الصهيوني الاسرائيلي في المنطقة .

بدأت روسيا حديثاً ( منذ عام ٢٠١٤ ) بالاعتماد على شركات أمنيّة خاصة ومتدربة ،قوامها محاربين قدماء في الجيش الروسي و متطوعين روس ، لتنفيذ مهام امنيّة داخل روسيا وخارجها . وقوات فاغنر هي اهم و ابرز هذه الشركات ،التي تعمل بدعم روسي و بغطاء قانوني روسي

وساهمت و تساهم ،بدرجة كبيرة في معارك اوكرانيا ، وتتواجد في افريقيا وليبيا لحماية المصالح الاقتصادية الروسيّة والشركات الروسية المستثمرة والعاملة في افريقيا . لم تنفْ روسيا استخدامها لهذه القوات في معاركها في اوكرانيا ولم توظّفها ،حسب علمنا و اطلاعنا لخدمة المشروع الصهيوني الاسرائيلي ، ولا لنشر الديمقراطية أو تأسيس دولة إسلامية .

السفير الدكتور جواد الهنداوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى