بومبيو في مذكراته يكشف خبايا سياسته الخارجية في غرب آسيا وقد أخذت إيران المساحة الأكبر من الكتاب”.

بومبيو في مذكراته يكشف خبايا سياسته الخارجية في غرب آسيا “الشرق الأوسط” وقد أخذت إيران المساحة الأكبر من الكتاب على أنها “مصدر الشرور في العالم”.

لم تكد تصدر مذكرات مايك بومبيو، وهو الشخص الذي أدار جهاز المخابرات المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية في آن في عهد دونالد ترامب، حتى تصدّر كتابه عناوين الصحف في دول كثيرة من العالم.

أبرزها ما علقت به صحيفة واشنطن بوست “إنه يحتوي على السمّ للسياسة الأمريكية أكثر من غدد الكوبرا”. أكثر من جهة سياسية في الولايات المتحدة وخارجها وصفت الكتاب بأنه “مضلل” و”منافق”. خاصة أن هذه المذكرات، لم تأتِ في السياق الطبيعي لسياسي أو رجل استخبارات يتقاعد ويكتب كشاهد على الزمن، بل إنها مذكرات رجل يرغب في العودة إلى العمل العام من أوسع أبوابه، إذ أعلن عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية في 2024.

وعليه، يجب على القارئ أن يضع في خلفيته لدى قراءة هذا الكتاب،أنه جزء من حملة بومبيو الانتخابية. لقد كان حريصًا على أن يسلّط الضوء على شخصيته كسياسي صلب لا يتهاون بحقوق الأمريكيين، وهو ما جعله عنوانًا لكتابه: “لا تعطِ شبرًا: القتال من أجل أمريكا التي أحب”.

الكتاب يقع في 450 صفحة، بلغة ساخرة وألفاظ بذيئة ومشحونة. وثيمته الأساسية هو الهجوم الشرس على خصومه الديموقراطيين، الذين وصفهم باليسار المتقدم وهم “الليبراليون المتطرفون” داخل الحزب الديموقراطي، فكلما ذهبوا في اتجاه ذهب بومبيو في اتجاه آخر. وهو الأمر الذي جعل واشنطن بوست تعلق، أن “الكراهية هي التي تحرك هذا الكتاب”. وقد أخذت إيران المساحة الأكبر من الكتاب، ملحقة بعبارات مختلفة على أنها “مصدر الشرور في العالم”.

حول الداخل الأمريكي: تشكيك وازدراء لليسار المتقدم

يستخدم بومبيو مصطلح اليسار المتقدم ويشمل داخله جميع خصومه، من أشخاص وصحف ومراكز فكر. ليس ثمة اجماع على تعريف مصطلح اليسار المتقدم، إلا أن المشترك في التعريفات أنهم أشخاص معنيون جدًا في حقوق الإنسان بشكل متطرّف، ومتحمسون لحقوق الأقليات العرقية والجنسية والدينية وهو الأمر الذي يكرهه بومبيو الجمهوري المسيحي الإنجيلي الساعي إلى أمريكا البيضاء المسيحية.

يتحدّث بومبيو بازدراء عن الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين، خاصة الذين طردهم ترامب، مشككًا بوطنيتهم واصفًا إياهم بالمخادعين، قال إنّ جون بولتون “يجب أن يكون في السجن”. ووصف سياسات أوباما الخارجية بأنها تشجع على الإرهاب، كما يزدري بومبيو المحللين في وكالة الاستخبارات الذين تتعارض استنتاجاتهم مع تصوراته المسبقة.

حول الإتفاق النووي: العقوبات القصوى لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات

يفرد بومبيو مساحة واسعة عن إيران يمكن اختصارها بأنها “مصدر كل الشرور في هذا العالم”. يتحدّث بومبيو بصراحة عن أن الديموقراطيين ارتكبوا خطأً في توقيع الاتفاق النووي الذي وصفه بالمعيب والعفن، وقال: “بعدما خرجنا قررنا أن نطلب من النظام الإيراني أن نتفاوض على اتفاقية جديدة، وهو ما رفضه الإيرانيون”. يقول في صفحة 63 من الكتاب إنهم بدأوا عندها حزمة العقوبات القصوى لإخضاع إيران وإحضارها إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى.

وقال في صفحات أخرى إن إيران هي المقر الرئيسي لداعش والقاعدة، وهو كلام قديم لم يقدم عليه أدلة.

حول التنسيق مع الموساد لإنهاء عملية أمنية في إيران

في الفصل الثاني من الكتاب، كان واضحًا إعجاب بومبيو بيوسي كوهين الذي كان رئيس الموساد حينها. كان معجبا بكل تصرفاته من أول وسامته حيث يقول “شهدت زوجتي على وسامته” إلى قدراته كجاسوس.

ما يهم في القصة، يقول جاءته مكالمة من يوسي كوهين يقول له “مايك كان لدينا فريق في مهمة بالغة الأهمية والآن أواجه بعض الصعوبات في إخراج بعضهم هل يمكن أن أحصل على المساعدة”، يقول بومبيو “لم أطرح أسئلة ولم أفكر بمخاطر، تواصلت مع رجالي مباشرة في كل مكان في العالم وتواصلنا مع فريق الموساد وفي خلال 24 ساعة كان عملاء الموساد قد تم إخراجهم من تلك البلاد آمنين، بعد أن تمت واحدة من أكبر العمليات السرية على الإطلاق”، والاشارة قبلها وبعدها وأثناءها إلى مزاعم ما حدث في فبراير/ شباط 2017 وهو سرقة الأرشبف النووي الإيراني.

اغتيال الجنرال قاسم سليماني: لا أستطيع أن أستمتع بحياة خاصة

يقول بومبيو في الصفحة 148، إن اغتيال الجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني طُرح لأول مرة كفكرة على ترامب، في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، عندما “كنت أنا كوزير خارجية أجلس مع وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان في بيت ترامب في فلوريدا، وقلنا له نحن جئنا في عمل جاد، وهو توصية مهمة لاغتيال سليماني”.

ويعقّب بومبيو على ذلك بأن إدارة ترامب كانت تأخذ قرارات جريئة جدًا “ما كان لهؤلاء الجبناء من اليسار التقدمي أن يفكروا فيها لأنهم قليلي الكفاءة وجبناء”. ويعرض بومبيو أسباب عزوف الإدارات السابقة عن استهدافه:

1️⃣- لاعتبار أن ذلك سيفتح عليهم أبواب جهنم، مرفقًا ذلك بالسخرية بأن اميركا أقوى، فلم الخوف؟ 2- ولاعتبار أنهم لن يستفيدوا شيئًا من قتله، وأنه إذا ذهب الرجل سيأتي قاسم سليماني آخر.

علّق بومبيو بأنّ هذا ليس منطقيا لأنه من الصعب ان تجد إيران قاسم سليماني آخر. وقال إن هذا الرجل كان يجمع مزيج من السلطة التي حصّلها بشخصه وعلاقاته، بالإضافة إلى الذكاء والكاريزما. وأي محاولة لاستبداله هي محاولة تقليد لوحات رامبرانت (رسام مشهور برسوماته الواقعية التي تعكس العواطف الإنسانية)، وبالتالي يصعب أن تأتي إيران بقاسم آخر، وبالتالي سوف تتأثر إيران كثيرا.

وأضاف في صفحة 162، “إننا أبلغنا حلفاءنا في المنطقة وتحديدًا إسرائيل لكي تستعد.. لأنها يمكن ان تكون الهدف الثاني لعملية انتقامية من إيران”.

وعلى الرغم من انتقاده وتسخيفه لعملية الاغتيال، إلا أن بومبيو يعترف أنه “منذ ذلك اليوم لا أستطيع أن أستمتع بحياة خاصة كما كنت أفعل، لأنني دائمًا ملاحق بحماية أمنية كثيفة لأننا ندرك أن إيران قادرة على الرد حتى داخل الأراضي الأمريكية”، ويضيف “لا أستطيع أن أذهب إلى السوبرماركت”.

مقتل خاشقجي: “هذه هي الطريقة التي تحصل فيها الأمور في الشرق الأوسط”

يروي رئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق مايك بومبيو كيف تمّ استدراج خاشقجي إلى القنصلية السعودية في تركيا. ويصفها بالجريمة البشعة والشائنة والمروعة والحقيرة والشريرة وغير القانونية. ويضيف: “لكنّ هذه الحادثة لم تكن مفاجئة بالنسبة لي.. لقد رأيت ما يكفي من الشرق الأوسط لأعرف أن هذا النوع من القسوة هو مقبول في هذا القسم من العالم”. ويعتبر ردة فعل الديموقراطيين عليها مصطنعة لأنهم يعرفون أن “هذه هي الطريقة التي تجري فيها الأمور في الشرق الأوسط”.

يتابع بومبيو بأن قضية خاشقجي، أخذت أبعاد أكثر درامية لأنه صحفي، والصحفي في عرف الدول الديموقراطية هو شخص لديه حصانة ويتم التعامل معه بحساسية، وعدم الإضرار به، مثل الممرضين والإطفائيين وغيرهم.

إلا أن الجديد الذي يقدمه بومبيو هو قوله إن خاشقجي لم يكن صحفيًا إلا “بقدر ما أكون أنا صحفيًا. أنا وغيري من الشخصيات العامة نكتب في الصحف ولكن كتاباتنا في الصحف لا تجعلنا صحفيين.. وخاشقجي كان جزء من معركة أو صراع دائر على السلطة في السعودية وكان يقف في الطرف الخاسر ولم يكن سعيدًا بنفيه من المهلكة الصهيوسعودية.

ثم إنه كان على علاقة بالإخوان المسلمين التي تدعم الإرهاب” وفقا لتعبيره. ويأخذ عليه بأنه عبر علنًا عن حزنه لمقتل أسامة بن لادن. ويقول إنه “يجب أن نكون واضحين بشأن هويته ولم تكن كثير من وسائل الاعلام واضحة في هذا الشأن”. ويشير إلى أنه “بعد مقتله بدأت حملة هستيرية قادتها واشنطن بوست لتدمير العلاقات الأمريكية السعودية وركزت على ملحد بن سلمان”.

يصرّح بومبيو في مذكراته: “حادثة جمال خاشقجي كانت واحدة من تجاربي الأولى في قيادة وزارة الخارجية وذكرتني بالقاعدة الشهيرة: إذا انتظرت الخيار الأمثل في السياسة الخارجية فإنه لن يأتي أبدُا. أنت دائما تعمل في ظروف صعبة وعليك أن تأخذ أفضل خيار يمكن أن يخدم مصالح بلدك” ومنطقه في هذا أننا لا نعيش في عالم مثالي بل عالم لئيم وقاسي وموحش جدًا وهي كلمات متكررة كثير ًا في صفحات الكتاب.

حول ملحد بن سلمان: أفضل شخصية تقود أكبر إصلاح ثقافي حتى لو كان قاتلًا

يرى بومبيو ان اليسار المتقدم يكره بن سلمان على الرغم من أنه “يقود أكبر اصلاح ثقافي في تاريخ المهلكة.. وسوف يثبت أنه أفضل شخصية في تاريخه.. وسوف يبرز على المسرح العالمي”.. ويذهب ليقول إن الحملة التي قادتها وسائل الاعلام إثر مقتل خاشقجي كان لها تأثيرات على شخصيات مؤثرة وأساسية في الحزب الجمهوري ومنهم ليندسي غراهام الذي أعلن بسبب هذه الحملة وتأثره بها أنه لن يتعامل أبدا مع السعودية، الا إذا تم تدمير ملحد بن سلمان. يقول “إن هذا دفعني لأتصل به وأقول له: يا سيد ليندسي، هل أنت تطلب من إدارة ترامب أن تجعل من تغيير النظام في المملكة سياسة رسمية؟ هل تطالبنا بذلك؟ فرد وقال: “مايك هذا أمر سوف يكون سيئًا جدا، وأضاف بومبيو أن ليندسي غراهام كان يعلم في أعماقه أنه لا نستطيع قطع العلاقات مع السعودية نظرا لمصالح الولايات المتحدة معها.

ويعتبر بومبيو أنه حتى لو كان بن سلمان قد تورط في مقتل خاشقجي، فقد التقى كرجل مخابرات وسياسة بالكثير من أصحاب القرار الذين تورطوا، “وهذا لا يعني أن نقطع علاقتنا بكل دولة تورط صانع القرار فيها في جريمة من هذا النوع”.

التطبيع مع الكيان المؤقت: المعادلة الجديدة هي العدو الإسرائيليّ والعرب vs إيران وحلفائها

في الفصل 13 تحت عنوان “اختر الحليف المناسب”، تناول الاتفاقات الابراهيمية. لم يذع فيها سرا، ولكن أشار اليها وكأنها انجاز عظيم جدا لم يكن ليتمّ لولا “إرادة الله وتوفيقه. بالإضافة إلى مجموعة من العوامل:

1️⃣- الخطر الذي يهدد دول المنطقة وهي إيران وسياستها “الشريرة” و2- الرؤية الثاقبة لإدارة ترامب، وطبعا فيها إشارة ضمنية له. إذ يعتبرها الإدارة التي رأت شيئًا لم تره إدارة الديموقراطيين التي يصفها بعدم الكفاءة والجبن و”المبللين لفراشهم”.

يعتبر بومبيو أن الديموقراطيين كانوا دائمًا يرون الشرق الأوسط من منظور “اليهود vs العرب” بينما رأت إدارته أن الزمن قد تجاوز هذه التقسيمات وبدأنا نرى المنطقة في إطار آخر يتجاوز هذه التقسيمة، ويمكن تحقيق السلام دون إقامة دولة فلسطينية بنظره، لأن المنطقة على حدّ قوله باءت “بفضل إيران بين معسكرين وهو معسكر السلام الذي تقف فيه إسرائيل وبعض الدول العربية، ومعسكر الدمار الذي تقوده إيران وأذرعها والإرهاب السني داعش والقاعدة”.

أما بخصوص التطبيع مع السعودية، يقول بومبيو “كنا قريبين جدًا من أن تصبح السعودية هي الدولة الخامسة التي توقع السلام مع إسرائيل. وقتها لم يكن لولي العهد ملحد بن سلمان صلاحيات، ولكن أعطى موافقته الضمنية للدول الأخرى”. ويعتبر أن العالم يجب أن يكون مدينًا له لأنه ليس من السهل على حاكم السعودية أن يبارك اتفاقات “سلام مع إسرائيل”.

حول إرسال القوات الأمريكية إلى سوريا

الخلاف الرئيسي بين تركيا والولايات المتحدة بدأ عندما أصبحت داعش قوة مسيطرة على الأراضي السورية والعراقية. كان التخلص من داعش هو الهدف الرئيسي المعلن لحضور القوات الأمريكية في سوريا عام 2017. يعرض بومبيو اختيارين، الأول تسليح الأكراد في شمال سوريا أي قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ومساعدتهم لضرب هذه الجماعات، والمقترح الثاني كانت قد تقدمت به تركيا وخلاصته انهم أكثر قدرة على التخلص والتعامل مع هذه الجماعات المتطرفة، يقول بومبيو إن الإدارة الأمريكية رفضت الطرح لسببين، الأول أنهم كانوا ينظرون إلى خطة تركيا في اجتياح الشمال السوري أنها ليست إلا للتطهير العرقي للجماعات الكردية، والثاني هو التحفظ الأمريكي على قدرات تركيا في التعامل مع داعش إذ ليس لديهم القدرات العسكرية وسيحتاجون إلى تدخل كامل من القوات الأمريكية. فقاموا بتقديم توصية للرئيس ترامب بالاعتماد على قوات سوريا الديموقراطية باعتبارهم أكثر تنظيما ولديهم دافعًا أكبر لأنهم محتلّون من داعش، وادعى بومبيو أنه كان يكفي تقديم غطاء بري وبعض المساعدات للأكراد لإنهاء المهمة.

تأكيد المؤكد

في الثقافة الغربية، المعروف أن االإنسان حرّ في أن يكتب ما يريد، لكن من الحكمة التأمل فيما نقرأ. على الرغم من معرفة أهداف هذا الكتاب كأداة للترويج السياسي، إلا أنه يمكن الاستفادة من مجموعة من المعطيات لتأكيد ما كان مؤكدًا، مثل عدم استبعاد التنسيق الكامل والمشاركة العملية والفعلية بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي، في أي عملية أمنية تحصل بين الكيان المؤقت ومحور المقاومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى