عندما قالت السعودية لجو بايدن “اذهب انت وربك فقاتلا ايران وحدكما”

مرصد طه الأخباري، في 14 سبتمبر 2019 تعرضت منشأتان نفطيتان سعوديتان تابعتان لشركة ارامكو في بقيق وخريص في المنطقة الشرقية في المهلكة السعودية لهجمات بالطائرات المسيرة وصواريخ كروز من قبل حركة انصار الله في اطار الحرب التي خضتها السعودية ضد الحركة في اليمن.

وفي القوس الواسع كانت المهلكة تعتمد على استراتيجية الضغوط القصوى الامريكية التي اعلنها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي توعد فيها ايران بالهزيمة، وجلس الى جانب سماعة الهاتف مراهنا ان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني سوف يتصل به طالبا التفاوض، لكن ذلك لم يحدث.

المفاجأة كانت بالنسبة للرياض هو ردة فعل دونالد ترامب والكونغرس معه في ذلك الوقت على الهجمات التي ضربت عصب الاقتصاد السعودي، فقد اعلن ترامب ان السعودية من تعرض للهجوم وليس الولايات المتحدة، ولن يخوض حربا مع ايران من اجل السعودية.

ليس هذا فقط بل عجزت القوات الأمريكية، المتمركزة في المهلكة السعودية، عن رصد تلك الهجمات ومحاولة ايقافها قبل أن تحدث. وعلى أي حال فتحت هذه الحادثة الجدل داخل السعودية حول الاعتماد على الحماية الامريكية، وربما كانت مدخلا لمراجعة سعودية لاتجاه السياسة الخارجية. بدأت بمصالحة مع قطر وتركيا والان تستكمل في المصالحة مع ايران وسورية.

اليوم التصعيد الأمريكي الإسرائيلي مع ايران ومحور المقاومة يعود الى الواجهة ويتفاعل منذرا بالمزيد من الاحتكاك العسكري والأمني ولكن ضمن بيئة إقليمية ودولية تتغير بسرعة قياسية.

وعلى كل الأحوال الهجمات الإسرائيلية في سورية تدفع القوات الامريكية ثمنا لها من امن وارواح جنودها، اذ يضع “جو بايدن” حياة الجنود الأمريكيين رهينة مغامرات ثلة من المتطرفين المعاتيه في تل ابيب. ولن تكون الأيام المقبلة أيام استقرار للقوات الامريكية في سورية حسب المعطيات.

على مدار السنوات الماضية خاضت ايران مع الولايات المتحدة وإسرائيل معركة السفن والعمليات الأمنية المعقدة، والقصف بالمسيرات والصواريخ، والعقوبات. فالمشهد بهذا المعنى مكرر. لكن ثمة فارق مهم اليوم صنعته التغيرات في الإقليم. ويتلخص في ان المملكة السعودية ودول الخليج ليسوا شركاء للاستراتيجية الامريكية في مواجهة ايران.

ففي الوقت الذي نتابع فيه التصعيد الميداني بين ايران والولايات المتحدة، نشهد كذلك وبشكل متزامن التقارب والمصالحة بين ايران والسعودية، وكذلك دول الخليج الأخرى الامارات والكويت وقطر والبحرين. وهذه مفارقة نادرة، ومعادلة في سياسات المنطقة غير مألوفة. لكنها ذات دلالات ليس عابرة. والتدقيق في معناها يضعها ضمن سلة تغيرات القرن التي تجري على المستوى الدولي.

ومن الواضح ان ولي عهد السعودية القائد الفعلي لسياسات المهلكة “ملحد بن سلمان “، اخذ مسارا مغايرا عن النهج الأمريكي الفاشل في منطقة الشرق الأوسط، واذا كانت الولايات المتحدة لم تعد تؤمن الحماية للسعودية، فما الذي يدفع الأخيرة لدفع ثمن هذه السياسات من امنها واقتصادها واستقرارها ورفاهية شعبها.

ولا يتبدى ذلك فقط في المصالحة السعودية الإيرانية، بل في سياسيات “أوبك بلاس”، والعلاقة مع سورية، والابتعاد عن مغريات التطبيع مع العدو الإسرائيليّ ، ووقف الحملات الإعلامية التي تخدم السياسات الامريكية كتلك التي ركزت على التحريض المذهبي ” سنة وشيعة “، وشيطنة ايران وحزب الله، والهجوم على سورية والمقاومة الفلسطينية، وتعويم ودعم اليمين اللبناني الانعزالي المتطرف. وبالمقابل التقارب مع روسيا، وبناء شراكة استراتيجية مع الصين، ودعم الموقف الفلسطيني وإدانة العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى ووقف الحرب في اليمن.

وعلى الولايات المتحدة من الان فصاعدا ان تذهب وتقاتل ايران وحدها مع شريكتها إسرائيل. فلا مصلحة سعودية في خوض سياسات أمريكا الفاشلة في منطقتنا هذا ربما يكون لسان حال ولي العهد السعودي. فمقولة اذهب وقاتل ايران وحدك عندما تعرضت المملكة لهجوم أرامكو، باتت معكوسة اليوم. وبن سلمان يقولها يردها لهم ” اذهبوا وقاتلوا ايران وحدكم.

وبالمحصلة العامة فان الحوار مع الجارين الإيراني والتركي، وحل المشكلات العربية العربية وإعادة تشكيل مفهوم واضح للامن القومي العربي، هو المسار الصحيح الذي يؤدي الى تشكيل نظام إقليمي متماسك، ولم يعد احد في هذه المنطقة يراهن على السياسات الامريكية منذ تابع العالم على الشاشات مشهد الهروب الأمريكي من أفغانستان والقادم اعظم.

كمال خلف – كاتب واعلامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى