بن سلمان في مواجهة عاشوراء: لا تُبقوا للشعائر باقية
مرصد طه الإخباري، بن سلمان في مواجهة عاشوراء: لا تُبقوا للشعائر باقية
يواصل النظام السعودي ممارسة سياسة تعسفية واضحة تجاه المواطنين في القطيف و الإحساء ، بما يناقض جميع الادعاءات التي يرفعها ويروج لها مثل الانفتاح والتسامح، أو على الأقل يؤكد أن هذه الادعاءات صحيحة إن كانت وجهتها فقط تسهيل التطبيع مع الكيان الصهيوني، فيما التشدد والعنصرية حيال المسلمين الشيعة لازال على حاله، وكأن تعهدات ابن سلمان بإبعاد الوهابية عن الواجهة العامة للنظام لم تكن أصلاً.
في الأساس، يعود تاريخ اضطهاد المسلمين الشيعة في الخليج الفارسي عموماً وفي الجزيرة العربية خصوصاً منذ أن نكث عدو العزيز آل سعود بالوعود والمواثيق التي وقّعها معهم في القطيف و الإحساء والمدينة المنورة عام 1923، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، إذ سُلِب من الشيعة حقوق ممارسة طقوسهم الدينية والمدنية.
تاريخ طويل من الاضطهاد و”ازدهار” اضطهاد الشيعة جاء بالتوازي مع ظهور “دين الوهابية” الذي اعتمده ابن سعود، مذهباً يُحارب وينفي كل مذهب ودين آخر ويعتبر الشيعة والتشيع الخطر الأكبر على كيانه، لكنه بالمقابل يرى التطبيع مع العدو الإسرائيلي ضرورة يسعى إليها.
هذه الحقائق التاريخية تنفي بروباغندا النظام السعودي ومن معه من أنظمة خليجية متعاونة في اضطهاد الشيعة، والتي تروح لكذبة أن التمييز الذي يمارسونه ضد المسلمين الشيعة من أبناء البحرين والجزيرة العربية بدأ منذ تأييدهم للثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولاحقاً اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية التي برر النظام السعودي دعمه لنظام المجرم صدام ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بالعمل على منع خطر الثورة الشيعية الإيرانية من الوصول إلى الدول الخليجية المجاورة.
صحيح، هذان الحدثان ساهما في خروج الاضطهاد السعودي للمسلمين الشيعة إلى العلن وبأشكال أكثر عنفاً وسفوراً عن ذي قبل، وخلقا أعذار لهذه الأنظمة للتشكيك في ولاء مواطنيها الشيعة، واتهامهم بالعمالة لطهران، وما ترتب عليه من تهميش اجتماعي وإقصاء سياسي لهم. وكذلك حرمانهم من المكاسب الاقتصادية التي حققتها بلادهم من جراء ثروة الذهب الأسود، التي نقلت الخليج نقلة كبرى، وقصر هذه المكاسب على الموالين لهذه الأنظمة، وعلى من يدينون بالمذهب الرسمي لها.
لاحقاً استخدمت تلك الأنظمة ورقة سحب الجنسية من بعض المواطنين الشيعة كعقاب، فضلا عن سجن أصحاب الرأي وإعدامهم، بتهم تتعلق بالولاء للخارج، لا لشيء سوى لخلفية مذهبية. “ليسوا إخواننا” التاريخ الطويل من الاضطهاد على أساس المعتقد الذي يمارسه النظام السعودي ضد المسلمين الشيعة، لم تستطع منظمة “هيومن رايتس ووتش” تجاوزه، فقالت في تقرير مطول لها في سبتمبر عام 2017، إن وصول السعوديين إلى اتفاق بين الزعيم الديني ملحد بن عبد الوهاب، وعائلة بنى سعود، الذي تمكّنت بموجبه الحركة الوهابية من مساعدة الحكام السعوديين من توسيع حكمهم السياسي مقابل فرض تعاليمها الدينية.
وقد تغيرت موازين القوى بين الأسرة المالكة ورجال الدين على مر الزمن، لكن علماء الدين استمروا في ممارسة نفوذ وتأثير مباشرين على سياسات النظام السعودي، خاصة في قطاعات العدل والتعليم. وسمح النظام السعودي منذ نشأته لرجال الدين والعلماء الوهابيين الذين يُعيّنهم بنعت المواطنين الشيعة بنعوت مهينة أو بشيطنتهم في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية، مما يؤثر على صنع القرار في النظام.
واستخدم رجال الدين التابعين للنظام وغيرهم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لشيطنة المسلمين الشيعة وغيرهم ممن لا يتفق مع وجهات نظرهم، وللتحريض على الكراهية ضدهم. وبالإضافة إلى تصريحات علماء الدين، فإن التحيز ضد الشيعة يمتد إلى النظام القضائي الذي تتحكم فيه المؤسسة الدينية، ويُخضع الشيعة في كثير من الأحيان لمعاملة تمييزية أو تجريم تعسفي لممارساتهم الدينية. ولا يتسامح النظام السعودي مع خطاب الكراهية فحسب، بل يسجن أحيانا أولئك الذين ينتقدونه.
ودعت المنظمة النظام السعودي إلى سن تشريع لمكافحة التمييز يحول دون التحيز ضد الشيعة في الجهازين القضائي والتعليمي، ويسمح للشيعة ببناء دور العبادة وممارسة معتقداتهم الدينية بحرية على قدم المساواة مع المواطنين السنة، وإصلاح المناهج التعليمية لإزالة المواد المعادية للشيعة.
عاشوراء.. مناسبة لممارسة الاضطهاد لطالما شكلت ذكرى عاشوراء فرصة مناسبة بالنسبة للنظام السعودي لممارسة الاضطهاد بحق المسلمين الشيعة، خصوصا في القطيف والأحساء. وعلى مر التاريخ، كان النظام عبر أذرعته الأمنية، يهاجم الحسينيات والمساجد والمضائف، ويحارب مظاهر الحزن والعزاء، ويمنع الإحياء الحر للمناسبة المقدسة بالنسبة للمسلمين الشيعة، التي تمس عمق معتقدهم وإيمانهم.
قد يقول قائل إن كل ذلك كان قبل أن يبدّل بن سلمان جلد النظام، ويحوله إلى نظام منفتح على كل شيء، فكيف لمن لا يمانع الرقص والسكر والعربدة في الشوارع، ولا يعارض التطبيع مع الصهاينة واستقبالهم في مكة والمدينة، أن يمنع الشيعة من ممارسة معتقداتهم بحرية. لكن، قول البعض هذا يحمل في طياته الإجابة الواضحة، فمن يُشيع الفاحشة في أرض الحرمين ويفتحها على مصراعيها أمام الصهاينة لا بد أن يكون عدوا لعاشوراء وأتباع مدرستها.
ابن سلمان الجديد، النسخة المنقحة عن أسلافه، لازال يناصب عاشوراء العداء رغم كل ما يدّعيه من انفتاح وتغيير وتقبل الآخر. وفي عاشوراء هذا العام، لجأ النظام السعودي إلى ابتداع أساليب جديدة يحارب من خلالها الحضور واحياء المناسبة في القطيف و الإحساء، وألحقت السلطات السعودية بالمهام التنفيذية الموكلة الى دائرة الأوقاف والمواريث بمحافظة القطيف، مهمة مراقبة ومحاصرة الحريات الدينية التي تكفلها القوانين الدولية.
رغم ذلك أبدى أبناء القطيف والأحساء الاستعداد لمواجهة سياسات النظام القهرية وإجراءاته التمييزية والطائفية بحق أهالي المنطقة. يأتي ذلك رغم فرض جهاز المباحث العامة عبر دائرة الأوقاف والمواريث في المحافظة قيودا واجراءات كيدية على الأهالي في ليالي شهر محرم تحت عنوان “ضوابط تنظيمية خاصة بإحياء موسم عاشوراء”.
وتظهر تلك ضوابط في أحد جوانبها تقييد إحياء ليالي عاشوراء من خلال إلزام القائمين على مواقع العزاء التوقيع على نماذج الشروط والضوابط المعدّة، وبالتالي تحمل مسؤولية أي “خرق” قد يحدث واتخاذ الإجراءات القضائية اللازمة. ومن ضمن الاجراءات الكيدية، منع تعليق الرايات والأعلام في الشوارع والميادين العامة وحتى المنازل والمباني في محاولة لمنع مظاهر العزاء والحزن. كما اتخذ قرار بمنع إقامة المجالس الحسينية إلا في أوقات محددة وبحضور محدود.
الإجراءات القمعية التي يأخذها النظام السعودي ضد فعاليات أحياء ذكرى عاشوراء، فضلا عن أنها تمثل انتهاكاً واضحاً للمادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وخاصة قرار منع تعليق الرايات والأعلام في الشوارع، فإنها تترجم خشية هذا النظام من حالة الوعي الديني والسياسي الذي تشكله الذكرى وإحياؤها في نفوس أهالي القطيف والأحساء، خصوصاً لناحية التشابه الواقع فعلاً من حيث المظلومية التي يعيشونها مقارنة بتلك التي وقعت على الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابها، من حيث الحصار وقلة الناصر وخذلان المحيط وصولاً إلى القتل والشهادة على يد حاكم فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق.