اصعب قرار هدنة في تاريخ “العدو الإسرائيليّ يتجرع كأس السم” ماذا عن مرحلة ما بعد الأيام الخمسة!!
مرصد طه الإخباري، اصعب قرار هدنة في تاريخ “العدو الإسرائيليّ يتجرع كأس السم” ماذا عن مرحلة ما بعد الأيام الخمسة
بات محسوما ان ثمة اتفاق هدنة تم ابرامه بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيليّ عبر الوسيط القطري، وان الإعلان عن هذا الهدنة سيكون في الساعات المقبلة، وربما مساء هذا اليوم حسب بعض المصادر الفلسطينية.
تفاصيل الاتفاق سوف يعلنها الوسيط القطري وليس الطرف الفلسطيني او العدو الإسرائيليّ. وملامح هذا الاتفاق قبل الإعلان عنه تبدو مكتملة وملخصها خمسة أيام يوقف فيها القتال بشكل كامل، تفرج المقاومة عن نحو خمسين محتجزا من المدنيين بمعدل 10 كل يوم، مقابل اطلاق العدو الإسرائيليّ عدد “غير معروف الى الان” من الاسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال في سجونها، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والوقود عبر معبر رفح جنوبا.
وبانتظار الإعلان الرسمي عن البنود يواجه المشهد القائم حاليا في غزة أسئلة ملحة تحيط بهذه الهدنة، سنحاول في عجالة وضع تصورات وتقديرات لها.
الثابت الان ان العدو الإسرائيليّ جنح الى الموافقة على الهدنة نتيجة تطورات الميدان العسكري، وتصاعد قدرة المقاومة على تنفيذ العمليات ضد القوات الإسرائيلية المهاجمة وايقاع الخسائر فيها، بالتزامن مع تصعيد حزب الله هجماته على الجبهة الشمالية ورفع وتيرة الاستهدافات ومداها، بالإضافة الى عملية احتجاز القوات المسلحة اليمنية سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر، وتهديد سفن الاحتلال والولايات المتحدة وحركة العبور في باب المندب ” هذا تحول استراتيجي ببعد إقليمي دولي”.
وبدرجة اقل يأتي الالحاح الأمريكي على الحكومة الإسرائيلية للذهاب نحو ابرام الهدنة. والثابت أيضا ان قبول هذه الهدنة تحديدا هو اصعب قرار هدنة ربما في تاريخ العدو الإسرائيليّ، لان مبادرة الحرب لم تكن في يد الدولة العبرية هذه المرة وهي سابقة لم تحصل الا مرة واحدة في تاريخ الصراع عام 1973، وان الهجوم في ٧ أكتوبر كان كارثية على الاحتلال ومستوطنيه، في حين اعتاد العدو الإسرائيليّ على ان تكون المبادرة في العدوان، ومن ثم لا ضير في ان تذهب الى هدنة لوقف النار ولو بشروط لا تنفذ منها شيء.
من المؤكد ان العدو الإسرائيليّ يدرك ان مجرد اعلان وقف نار ولو مؤقت دون ان تحقق شيء من أهدافها المعلنة، يعني شيئا واحدا ” الهزيمة” والفشل. الوقت الممنوح لها من الولايات المتحدة والدول الغربية كان كافيا لتحقيق شيء ما في الميدان.
46 يوما من العدوان والقصف والتدمير والمجازر والتوغل والبحث واقتحام المستشفيات والمدارس ودور العبادة مع حصار خانق ومشدد لم يأتي بصورة نصر واحدة. ولابد في النهاية من تجرع كأس السم ” الهدنة “.
التساؤلات الان في ضوء الهدنة تتمحور حول تأثيرها في الميدان والقتال، هي بلا شك وكما يقدر قادة العدو الإسرائيليّ سوف تخفض من اندفاعة الجيش في غزة، هم بالأساس امس خفضوا عديد قوات الاحتياط وقاموا بتسريح جزء من القوات المقاتلة بسبب ما قالوا الازمة في الاقتصاد. بالمقابل الهدنة سوف ترفع من معنويات المقاومين الفلسطينيين، وستعتبر اعلان نصر ولو مرحلي على العدوان.
فقد حققت المقاومة معجزة بالصمود والنزال في الميدان، وقدرة على إيقاع خسائر كبيرة فضلا عن افشال كل الأهداف التي دخل العدو الإسرائيليّ من اجلها الحرب.
على المستوى الإنساني والاغاثي، وقف القتال ولو لأيام سيكون فرصة لتخفيف المعاناة، واستعادة شيء من القدرة على عمليات الإغاثة والاعمال الطبية، ولملمة الجراح.
هي أيام ليست كافية لكل ذلك، فحجم الكارثة والدمار كبير جدا. كيف ستسير اعمال الإغاثة، وما هو حجم ما سوف يدخل من معبر رفح لتخفيف المعاناة، هذا سيتم اختباره في أيام الهدنة المعدودة.
المؤكد ان العالم في الأيام الخمسة سيكون امام صورة اكثر صدمة من الصور والمشاهد التي تابعها خلال العدوان للجرائم الإسرائيلية، الهدنة ستكشف جانبا اكبر من الفظائع وحجم الاجرام والابادة الإسرائيلية. وهذا سيزيد من المأزق الإسرائيلي في فضاء الراي العام العالمي.
اما صفقة التبادل، وهنا جوهر الهدنة، فهو أولا ثبت انتصار إرادة المقاومة، فهم قالوا للاحتلال منذ البداية العدوان لن ينفع، ولن تحصل على أي اسير الا بالتفاوض غير المباشر والتبادل، لكن هو ذهب الى تحدي تحريرهم بالقوة والتدمير والاجرام، ووقع في فخ مستشفى الشفاء واحراج مستشفى الرنتيسي، وحصد في المحصلة فضيحة، ثبت تفاصليها المتحدثون العسكريون وهم يجهدون لعرض مشاهد أصبحت مثالا عالميا للسخرية والتندر، وصدمت الراي العام بحجم سذاجتها وضعفها.
وثانيا: اخراج عدد محدد او جزء من الاسرى وبقاء اخرين، لن يخفف ضغط المجتمع الإسرائيلي على حكومة نتنياهو، ما سيحصل هو العكس. أهالي الاسرى المتبقين سيشعرون بالغضب والامل معا.
الغضب لان الصفقة شملت مواطنين دون اخرين من ذويهم، والامل هو ان التفاوض والاتفاق مع المقاومة هو من سيجلب لهم ابناءهم، وليس عنتريات نتنياهو وغالانت وقتل الأطفال وتدمير المنازل.
وهذا سيكون له صلة في مرحلة ما بعد الأيام الخمسة، مواصلة العدو الإسرائيليّ لشن الحرب على المقاومة الفلسطينية سيكون اصعب، والأرجح ان الولايات المتحدة، ستأخذ إسرائيل باتجاه تمديد الهدنة الى هدن، والاستمرار في التفاوض. مواصلة “إسرائيل” القتال بذات الزخم بعد الهدنة هو انتحار سياسي وعسكري واعلامي.
الحرب بعد اول هدنة تكون قد أغلقت فصلا مهما من الدروس والعبر، ووضعت قواعد التحولات في الصراع بشكل عام. لن نجازف بالحسم ان الحرب عمليا انتهت، سنترك الأيام المقبلة تحسم ذلك.
كمال خلف – كاتب واعلامي