ماذا يقولان التاريخ والجغرافية هل هي بالفعل نهاية حزب الله؟

مرصد طه الأخباري، ماذا يقولان التاريخ والجغرافية هل هي بالفعل نهاية حزب الله؟

في المشهد الجيوسياسي المعقد والمتقلب في الشرق الأوسط، يقف حزب الله كفاعل غير حكومي فريد من نوعه ــ يجمع بين القوة السياسية والقوة العسكرية. ولفهم المكان الحقيقي لحزب الله في الصراع الدائر مع العدو الإرهابي الإسرائيليّ ، من الأهمية بمكان أن نتجاوز السرديات المبسطة التي تقلل من شأن المجموعة إلى مجرد مجموعة من حزب عسكري غير حكومي أو ترى نهايتها في اغتيال قادتها الرئيسيين.

يظهر حزب الله مستوى من المرونة والقدرة على التكيف والتطور الاستراتيجي الذي يستدعي التحليل الدقيق، وخاصة في ضوء بقائه على المدى الطويل وقدرته على الانخراط في حرب غير متكافئة.

إن تطور حزب الله من حركة لمكافحة الاحتلال في جنوب لبنان إلى قوات عسكرية منظمة تنظيماً جيداً ذات قدرات عسكرية شبيهة بقدرات الدولة هو شهادة على قدرته على التكيف.

ويكمن قدر كبير من هذا التحول في تحوله من هيكل قيادي مركزي إلى نموذج أكثر توزيعاً وقيادة من القاعدة. في السنوات الأولى، عمل حزب الله بموجب تسلسل هرمي تقليدي من أعلى إلى أسفل، مع وجود شخصيات رئيسية على رأس القيادة، مثل الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله، لتوجيه عملياته.

ومع ذلك، فشلت عمليات الاغتيال المستهدفة من قبل القوات الإسرائيلية، بهدف قطع رأس المجموعة، في شل حركتها. وبدلاً من ذلك، نجح حزب الله في لامركزية قيادته، وتوزيع السلطة عبر وحدات مختلفة وقادة إقليميين إلى إعادة الهيكلة في سبيل المواجهة البرية مع كيان الاحتلال.

هذا التحول نحو اللامركزية ليس شاذًا في عالم الجماعات المسلحة غير الحكومية. التاريخ مليء بأمثلة لمنظمات مماثلة، من طالبان إلى فيت كونغ، التي انتقلت من الهياكل الهرمية إلى الهياكل الأكثر مرونة وقدرة على الصمود. من خلال توزيع مسؤوليات القيادة وتمكين القادة من المستوى الأدنى، وهذا ما ضمن لحزب الله استمرار عملياته بسلاسة حتى في مواجهة خسائر القيادة.

إن هذا الهيكل القائم على القاعدة يسمح لحزب الله بالتكيف بسرعة في ساحة المعركة، مما يجعله خصمًا مراوغًا وقويًا للعدو الإسرائيلي ، التي تعتمد غالبًا على التفوق العسكري عالي التقنية.

في حين لا يزال حزب الله يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه جماعة مسلحة، فقد أصبح، في كثير من النواحي، أقرب إلى الجيش التقليدي. إن ترسانته العسكرية متنوعة ومتطورة، وتتجاوز بكثير ما يتوقعه معظم الناس من جهة فاعلة غير تابعة لدولة. على مر السنين، جمع حزب الله مجموعة رائعة من الصواريخ المضادة للدبابات والسفن، والطائرات بدون طيار المتقدمة، وأنظمة الدفاع الجوي. لم يعد مقاتلوه غير المجهزين كما كانوا في الثمانينيات، بل أصبحوا الآن قادرين على نشر عمليات معقدة تنطوي على مزيج من تكتيكات الحرب التقليدية وحرب العصابات.

إن أحد أهم نقاط القوة التي يتمتع بها حزب الله تتمثل في وحداته المتخصصة، مثل قوة الرضوان، المسؤولة عن العمليات القتالية النخبوية، ووحدة الجليل، المكلفة بالعمليات في جنوب لبنان والتي تستهدف العدو الإسرائيليّ بشكل مستمر. إن هذه الوحدات، بدعم من مجموعة من الأسلحة الحديثة، تمكن حزب الله من الاشتباك مع العدو الإسرائيليّ في صراع طويل الأمد، حتى في ظل الميزة التكنولوجية الساحقة التي تتمتع بها قوات كيان الاحتلال.

إن قدرات حزب الله الصاروخية جديرة بالملاحظة بشكل خاص؛ فخلال التصعيدات الأخيرة، أطلق الحزب عشرات الصواريخ على مواقع إسرائيلية استراتيجية، مما أظهر قدرته على ضرب عمق الأراضي الإسرائيلية.

إن دمج تكنولوجيا الطائرات بدون طيار المتقدمة يسلط الضوء أيضًا على تطور حزب الله المتزايد. ففي المناوشات الأخيرة، اخترقت الطائرات بدون طيار التي أطلقت من لبنان المجال الجوي للعدو الإسرائيلي بنجاح، مما تسبب في اضطرابات كبيرة. وهذا لا يؤكد فقط على القدرات التقنية المتزايدة للحزب.

لا يمكن لأي تحليل للقوة العسكرية والسياسية لحزب الله أن يكون كاملاً دون الاعتراف بدور إيران الداعم له. إن دعم طهران لحزب الله استراتيجي حيث تزود إيران حزب الله بأسلحة متطورة ودعم لوجستي ومساعدات مالية، مما يضمن قدرة المجموعة على الحفاظ على قدراتها العملياتية حتى تحت الضغط الشديد من العدو الإسرائيليّ والجهات الفاعلة الدولية الداعمة لها.

إن الدعم الإيراني يمنح حزب الله القدرة على الوصول إلى مجموعة واسعة من التكنولوجيا العسكرية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والمضادة للسفن، والذخائر، وأنظمة الدفاع الجوي. وقد حولت هذه الأسلحة حزب الله إلى تهديد كبير ليس فقط للعدو الإسرائيلي بل للولايات المتحدة أيضًا. على سبيل المثال، فإن امتلاك حزب الله لصواريخ فاتح 110 الإيرانية الصنع، والتي يصل مداها إلى 270 كيلومترًا، يمنحه القدرة على الضرب في عمق الأراضي الإسرائيلية، مما يؤدي فعليًا إلى تغيير التوازن الاستراتيجي في المنطقة.

إن أحد أكثر المفاهيم الخاطئة استمراراً حول حزب الله هو الاعتقاد بأن المجموعة يمكن تفكيكها من خلال القضاء على قيادتها. وهذا الافتراض يقلل من تقدير الجذور المؤسسية العميقة للمجموعة وقدرتها على التكيف مع الظروف المتغيرة. لا شك أن اغتيالات كبار المسؤولين، مثل الشهيد القائد سماحة السيد حسن نصر الله أثرت على حزب الله، لكنها لم تؤد إلى سقوطه. وبدلاً من ذلك، أظهر حزب الله قدرة شبه متغيرة على تجديد وإعادة تشكيل هيكل قيادته.

ما يميز حزب الله عن العديد من الجماعات المسلحة الأخرى هو صبره الاستراتيجي. تدرك المجموعة أن صراعها مع العدو الإسرائيليّ ليس سباقًا قصيرًا بل ماراثونًا. وفي حين أظهرت استعدادها للمشاركة في عمليات عسكرية واسعة النطاق، فإن حزب الله يدرك تمامًا الطبيعة الطويلة الأجل للصراع. وينعكس هذا الصبر في قراراتها التكتيكية في ساحة المعركة، حيث تختار غالبًا التصعيد أو التهدئة بناءً على أهدافها الاستراتيجية الأوسع نطاقًا.

لقد كانت قيادة حزب الله، وخاصة سماحة السيد حسن نصر الله، صريحة بشأن الأهداف الطويلة الأجل للجماعة. وفي حين ينصب التركيز المباشر لحزب الله على الدفاع عن سيادة لبنان والرد على العدوان الإسرائيلي، فإن هدفه النهائي هو إنشاء نظام ردع يمنع العدو الإسرائيليّ من شن هجمات واسعة النطاق للبنان. وقد صُممت هذه الاستراتيجية لاستنزاف العدو الإسرائيليّ من خلال الاستنزاف المطول، مما يجبرها على إعادة النظر في تكلفة استمرار المشاركة العسكرية في لبنان.

في المعركة الجارية بين حزب الله والعدو الإسرائيليّ، تفشل الروايات التبسيطية للنصر أو الهزيمة في التقاط الواقع المعقد على الأرض. تكمن قوة حزب الله في قدرته على التكيف والتجديد والحفاظ على صراع طويل الأمد ضد خصم أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية. وتضمن قيادته اللامركزية، ودعمه الإيراني القوي، وقدراته العسكرية المتطورة، بقاءه قوة هائلة في المنطقة. ومع استمرار تطور الصراع، سيظل حزب الله لاعباً مركزياً، ويشكل مستقبل لبنان والشرق الأوسط الأوسع. وأخيراً هل هي بالفعل نهاية حزب الله؟ التاريخ والجغرافية يقولان العكس.. الحزب سيصبح أقوى وأشد وان شاء الله تعالى سينتصر على عدو الأمة الإسلامية وعدو الإنسانية الكيان الإرهابي الصهيوني وأمريكا والغرب وعملاء الأمة الخونه 

د. حامد أبو العز كاتب فلسطيني 

باحث السياسة العامة والفلسفة السياسية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى