واشنطن والرياض “تطبلان” لتظاهرات البصرة

هشام الفاخر
جميعنا يتذكر جيدا الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية التي اجتاحت المحافظات الغربية للعراق عام 2013 أبان حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، للمطالبة بأبسط مقومات المعيشة الحرة والكريمة، وكيف استُغلت من قبل المتآمرين وتجار الفتن وعملاء ما وراء الحدود، لإغراق البلد بالدماء ودق إسفين الخلاف المذهبي والعقائدي والفئوي بين أطيافه.
نعم، كانت في بواكيرها احتجاجات “بريئة وعفوية” يكفلها الدستور العراقي والقوانين الدولية، ولم يتمكن أحدا من منعهم أو اعتراض طريقهم حتى ناحت النساء لاستشهاد عدد من الجنود بعملية “غدر وخيانة” استهدفت نقطة مرابطة عسكرية للجيش العراقي قرب مخيمات الاعتصام.
ولم تمض أيام على تلك الحادثة الأليمة، سمعنا نبأ اغتيال النائب (عيفان العيساوي) في كانون الأول 2013، وعقب التقصي عن التفاصيل وصلتنا معلومات موثقة تؤكد ان الشهيد دفع حياته ضريبة لكشفه أسماء المندسين والشخصيات السياسية “العميلة” التي اخترقت الاعتصام وعبئت الخيام بمختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات والسيارات الملغمة وأخذت تروج لمشروع تكفيري ممنهج ومنظم يهدف إلى إعادة العراق للمربع الأول – قتل على الهوية، تهجير مذهبي وعرقي-.
أما المنصات وما أدراك ما المنصات فقد احتضنت شيوخ وخطباء من “شذاذ الأفاق” و”الشياطين”، رفعوا جملة من شعارات الفتنة التي تشحن المعتصمين طائفيا وتسرب لعقولهم أفكارا مريضة وعفنة تدعوهم لقتل الجنود والشرطة والمدنيين العاكفين عن الاحتجاج وإسقاط الحكومة الاتحادية وإلغاء الدستور وإطلاق سراح الإرهابيين من السجون، أبرزها “قادمون يا بغداد”، “حربية – حربية”، “حكومة بغداد الطائفية”، “ارحل دستورك باطل”.
حاولت حكومة المالكي آنذاك حل الأزمة بمختلف الطرق والوسائل المتاحة وتعهدت بمعالجة جميع المشاكل التي تعاني منها المحافظات الغربية وتلبية الطلبات المشروعة للمتظاهرين، إلا ان واشنطن والرياض لم ترق لهن انتهاء الاحتجاجات وكانت في جعبتهن مخططات أخرى قد “دبرت بليل”، ضمن مؤامرة إقليمية و”طبخة” معدة سلفا، تعرف بـ”الفوضى الخلاقة” تُستخدم فيها التنظيمات الإرهابية لضرب استقرار منطقة غرب أسيا وإعادة ترتيبها وفق حسابات تلاءم البيت الأبيض وأذنابها، لذلك أرادتا أن يكون الاعتصام بيئة خصبة تستقبل تنظيم داعش الإرهابي عند إعلان ساعة الصفر لدخوله العراق قادما من الأراضي السورية.
المختصون في علم الاجتماع يشترطون معرفة الماضي ودراسته للتنبؤ بالسلوك المستقبلي، وعليه فان الإحداث التي شهدتها محافظة البصرة خلال الأسبوع الماضي وما رافقتها من عمليات تخريب وحرق وتدمير لمقار الأحزاب وهيئة الحشد الشعبي والمراكز الصحية والدبلوماسية وممتلكات الدولة، لم تكن “عفوية” كما كانت عند “انطلاق شرارتها”، بل ممنهجة ومدفوعة الثمن، ومشابهة لحد كبير في مضمونها ومعطياتها وغاياتها لما جرى في الرمادي قبل خمس سنوات.
نواب وشخصيات سياسية وجهوا أصابع الاتهام للولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وحملوهن مسؤولية التخريب وتأجيج الفتن أثناء التظاهرات في البصرة بالتنسيق مع بعض منظمات المجتمع المدني، ومجموعات مسلحة مندسة، فيما ربط آخرون الإحداث بالأزمة السياسية واقتراب محور لا يتماهى مع مصلحة الإدارة الأمريكية من تشكيل الكتلة الأكبر والحكومة المقبلة.
اثأر المخابرات الدولية واضحة المعالم في احتجاجات البصرة وباعتراف اللجان التنسيقية التي كشفت لوسائل الإعلام عن وجود مجاميع ملثمة تعمل على حرق وتدمير كل شئ في المحافظة وتتحرك بتخطيط ودقة عالية لحرف التظاهرة الشعبية عن مسارها ومطالبها المشروعة وارباك الوضع الامني في المحافظات الجنوبية وتحويل الصراع الى “شيعي – شيعي “.
يُحتم على قادة العراق من سياسيين ورجال دين ووجهاء وشيوخ وحتى النشطاء ومنظمات المجتمع المدني تفويت الفرصة على المتربصين بالعراق شرا، ومنع تكرار سيناريو الرمادي الذي نتجرع مرارته منذ سنوات، فاحتجاجات البصرة يُراد لها أن تحمل في طياتها شعار وعقيدة “قادمون يا بغداد”، فيما تقف امريكا والسعودية الى جانب “التمباني” للبدء بالاحتفال والتطبيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى