تفاهم بوتين أردوغان يمهّد للعمل العسكري ولا يلغيه
ناصر قنديل
لا يملك مَن يقرأ تفاصيل بنود التفاهم المعلن بعد قمة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب أردوغان إلا طرح سؤالين، الأول هل يمكن تخيّل سيناريو أفضل لإنهاء جبهة النصرة وجمع سلاح الجماعات المسلحة ضمن صيغة تشبه التسويات التي تمّت في مناطق سابقة، حتى يكاد يكون السيناريو مثالياً بتخيل تحقيق جملة أهداف دفعة واحدة من دون أن تسيل قطرة دم واحدة، أو على الأقل بأقل بعد دموي ممكن، أو بمعنى أفضل سياسي بمعركة دموية لا تتحمّل سورية وروسيا والحلفاء تبعاتها ولا تمنح الغرب وعلى رأسه واشنطن فرصة التصعيد ضد سورية والحلفاء؟ والسؤال الثاني هو: هل سيكون ممكناً واقعياً تحقق هذا السيناريو المثالي؟ بمعنى أوضح هل ستكون تركيا قادرة على تحقيق مضمون التفاهمات بعدما منحتها روسيا مهلة شهر لإنهاء جبهة النصرة وثلاثة شهور لجمع السلاح الثقيل والمتوسط من محافظة إدلب؟ وأعلنت التزامها بصورة احتفالية بذلك؟ وهل سيتحقق ذلك بالاعتماد على الضغط الأمني والسياسي فقط، أم بالقوة العسكرية أيضاً؟ وهل القوة العسكرية التركية ستكون مباشرة في المعركة أم ستعهد للجماعات التابعة لها بذلك؟ وهل ستقدر هذه الجماعات على التماسك في تحقيق مهمة أخفقت فيها مراراً وتكراراً بسبب التماثل والتداخل بينها وبين النصرة؟ وهل سيكون ممكناً في حال المواجهة فعل ذلك دون تدخل الجيش السوري وحلفائه، ومساندة سلاح الجو السوري؟
قراءة مسار الحرب في سورية وعليها يكفي للاستنتاج أن عقدة إدلب العسكرية تضم عشرات آلاف المسلحين منهم آلاف من التركستان والإيغور الذين لا حلّ سياسي معهم، وأن الحديث عن حل رضائي ينهي جبهة النصرة ضرب من الخيال، بينما السيطرة على قرار الجماعات المسلحة لنزع سلاحها الثقيل والمتوسط فهو الوحيد الذي يقع ضمن نطاق الممكن بالنسبة لتركيا، وبالمقابل فالحرب التي يستدعيها تحقيق الالتزام التركي تستدعي مواجهة بشرية وقدرة نارية يستحيل تخيّلها بالاعتماد على جماعات مسلحة تابعة للأتراك يقول تاريخها إنها عند أول تصادم مع النصرة ستتشظى بين مَن ينضم للنصرة ومن يهرب من المعركة، كما يستحيل تخيل توفير قدرة نارية كافية لهذه المعركة دون شراكة سلاح الجو الروسي. وعندما تعجز الجماعات المسلحة التي تديرها تركيا، ويصير المطلوب كلفة بشرية لا يتحملها الجيش التركي داخلياً سيكون للجيش السوري والحلفاء دور ميداني لا يمكن تفاديه، وهذا هو السيناريو الواقعي الوحيد الممكن لتحقيق التفاهم الروسي التركي ضمن المهل الزمنية التي لا تتيح مجالاً مع الرقابة الروسية الجوية والدوريات المعلن عنها لمخاوف من خداع أو انقلاب تركي، لا تتيحه بالأصل المناخات السياسية المحيطة بعلاقة تركيا بكل شركائها السابقين في الحرب على سورية وفي طليعتهم واشنطن.
يصير السؤال مشروعاً عن سبب هذا التفاهم، إذا كان السياق سيفرض حكماً معركة في إدلب يخوضها الجيش السوري والحلفاء، والجواب أن روسيا تقدّم لتركيا الفرصة للحفاظ على دور في الحل السياسي في سورية بكلفة واضحة وواضح أنها مرتفعة. وبالمقابل تحمل تركيا هذه الفرصة لجماعاتها المسلحة، ومنهم جبهة النصرة لتضعهم أمام معادلة مشابهة كلفة واضحة وواضح أنها مرتفعة تعادل الانتحار. وبذلك تكون النتيجة دينامية سياسية عسكرية في علاقة تركيا بالجماعات المسلحة من جهة، وعلاقتها هي والجماعات المسلحة بالنصرة والتركستان والإيغور وسواهم، ستتيح جعل الخيار العسكري السوري الروسي مع الحلفاء بديلاً مراً ثمن تفاديه مرتفع والذهاب لقبوله آخر المرارات. وبالحصيلة تكون روسيا قد أجهضت الحملة الغربية عليها وعلى إيران وعلى سورية، وبرمجت بلوغ الأهداف بطريقة ذكية ومتدرجة، ووضعت الحل السياسي كواجهة عملية قابلة للفوز، إذا نجحت تركيا ومَن معها بتحقيق الأهداف، وتنقل تركيا ومن معها إلى ضفة روسيا وسورية والحلفاء إذا عجزت تركيا ومَن معها.
العدوان الإسرائيلي على الساحل السوري وحده يقول إن ما تمّ يجلب القلق لواشنطن وتل أبيب.