إسرائيل تدفع ثمن عنجهيتها تجاه روسيا

روسيا التي حاولت لزمن طويل تجنب أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل على الأرض السورية وجدت نفسها اليوم مضطرة لاتخاذ إجراءات صارمة حيالها على خلفية إسقاط الطائرة الروسية (ايل -20) ومصرع العسكريين الروس الذين كانوا على متنها،

حيث كانت إسرائيل وراء هذه الكارثة، فكان القرار الروسي بإرسال منظومة (اس -300) إلى سورية بعد أن برهنت على صبر استراتيجي عدة مرات منذ إسقاط أول طائرة لها من قبل الأتراك في العام 2015 ثم يوم إطلاق الولايات المتحدة 59 صاروخاً ضد المواقع السورية وقتل متطوعين روس في دير الزور إلى أن حدثت الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة، ومحاولة إظهار روسيا بأنها اضعف قوة مما هي عليه.‏

وبهذا الفعل أجبرت إسرائيل القيادة الروسية على الرد بقوة واتخاذ القرار بإرسال منظومة الصواريخ اس 300 الى الجيش السوري مع تسليمه أجهزة تشويش على الرادارات ومعدات أخرى مرتبطة بها مثل نظام (كراسوخا 4) وهو أحد أبرز أجهزة الحرب الالكترونية الروسية القادرة على التشويش أيضاً حملت طائرات (ايل 76) منظومات حرب الكترونية إلى قاعدة حميميم الجوية، ومن المرجح أن تكون الطائرة الروسية قد حملت منظومات التشويش الالكتروني (جيزيل) الى سورية حيث تستطيع هذه المنظومات إعاقة رادارات الطائرات المعادية وأجهزة الاتصال وعرقلة الأقمار الصناعية.‏

إن العنجهية الإسرائيلية دفعت الرئيس بوتين إلى اتخاذ هذا القرار، فعبرت القيادة الروسية عن غضبها بلا مواربة واصفة إسرائيل بـ (ناكرة المعروف) وعدم الوفاء، إذ يبدو أن روسيا تغاضت عن أفعال إسرائيل كثيراً بعد تواجدها في سورية منذ العام 2015 وعلى حساب شركائها في محور المقاومة، والهدف من ذلك كان الحفاظ على توازن بين هذا المحور والعلاقات مع إسرائيل، ويكمن المأزق الروسي في الصعوبة بين ضمان هذا التوازن في صراع معقد كهذا في الوقت الذي تتخذ فيه الولايات المتحدة موقفاً واضحاً لصالح إسرائيل، ثم أن حكومة تل أبيب لم تبد أي اهتمام لهذا النوع من التوازن وجاء التصرف الأخير لإسرائيل الذي لم يكن سوى محاولة للانتقاص والاستخفاف بقدرات روسيا كقوة عظمى، لتصطدم جهود روسيا في التوصل الى حالة توازن، بخيانة الأمانة من قبل إسرائيل التي قادها تصرفها العدواني إلى ارتكاب خطأ تكتيكي.‏

إسرائيل اليوم في صراع مع أزمة استراتيجية دفعت بوتين الى اتخاذ القرار بتسليح أكثر لسورية، وكان القرار الأخطر ليس فقط بإرسال صواريخ اس 300 إلى سورية بل بإغلاق الأجواء السورية ومنع أي طائرة معادية من اختراقها وقد يقود ذلك إسرائيل إلى استخدام طائرات F35 لتجنب الاعتراض من قبل منظومة الدفاع الجوي السوري واختبار فاعلية صواريخ اس 300 وسيكون ذلك تحد آخر ومباشر لروسيا.‏

محور المقاومة يراقب الأمور عن بعد كي لا يتدخل في قرارات الرئيس بوتين، فالقرار الروسي جاء نتيجة مفاعيل تراكمية لما تقوم به إسرائيل من اعتداءات متكررة هدفها شل قدرات الجيش السوري في وقت تسعى فيه روسيا لإعادة بنائه، وقد تجاوز بوتين بقراره هذا العلاقات بين إسرائيل وموسكو وخاصة حين أرادات إسرائيل التعبير عن انزعاجها بخصوص اتفاق سوتشي بين الرئيس بوتين وأردوغان بما يخص ادلب، فضمن هذا السياق يمكن وضع القرار بتسليم صواريخ اس 300 الى سورية لأن حكومة اسرائيل ارتكبت خطاً جسيماً أدى بشكل جدي إلى اتخاذ هذا الاجراء الذي أقلق إسرائيل كثيراً، وانعكس هذا القلق في الصحافة الإسرائيلية (G TV.CO) عنون : (خلال أسبوعين سيكون الكابوس على إسرائيل، صحيفة جيروزاليم بوست قالت إن اس 300 سيتيح للعسكريين السوريين تحديث نظام دفاعهم الجوي جذرياً وإحداث تهديد حقيقي للطيران الإسرائيلي: يديعوت احرونوت رأت هذا الخبر سيئاً جداً وطالبت القوات الجوية الإسرائيلية بمزيد من الجهود والتخطيط الأفضل والحذر الأكبر. صحيفة معاريف قالت : ( أزمة الطائرة الروسية خطيرة وعميقة ستؤثر على الأمن القومي الإسرائيلي).‏

لقد أثبتت روسيا قدرتها الكبيرة في التكيف مع الأوضاع السياسية المختلفة والاستراتيجية التي تواجهها منذ عدة سنوات في العالم بشكل عام وفي سورية بشكل خاص التي تخوض حرباً بقي الفصل الأخير فيها لم يكتب بعد، لكن معركة الشمال قادمة عاجلاً أم أجلاً ولم يبق سوى منطقة التنف التي تحتلها القوات الأميركية، غير أن الحرب السورية تبقى صندوقاً من المفاجآت وقد تتضاعف الأخطار في أي لحظة.‏

ترجمة – مها محفوض محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى