لماذ تؤججُ السعودية الأوضاع الداخلية في لبنان؟ 

مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ

 

د. وفيق إبراهيم

 

تحرِّك السعودية الإعلام والجمعيات والقيادات السياسية والنقابية باتجاه تحشيد مذهبي يعيد إنتاج الفتنة السنيّة ـ الشيعية. هذا ما دفعها إلى الذهاب لاسترضاء الوزير السابق والسياسي أشرف الريفي المعروف بتطرفه المذهبي، وولائه المطلق لآل سعود..

 

مصالحته مع رئيس الحكومة سعد الحريري معلناً أثرها أنّ إيران وحزبها في لبنان «يعتديان على السنّة» بأبعاد «مجوسية وشيطانية»، مؤكداً أنه مستعدٌ لمجابهة «الشيعة اللبنانيين الإيرانيين» في كل مكان. وأوفدت النائب السابق خالد الضاهر الخارج منذ مدة من النصاب السياسي الحريري.. أوفدته إلى حزب المستقبل «الحريري».. وهناك أعلن هجوماً على «الشيعية الإيرانية السياسية» داعياً السنّة إلى القتال في الشوارع ضد هيمنة «إيران» على لبنان وبالتالي إلى ضرورة التصدي لـ«الشيعية المجوسية».

 

هذا غيض من فيض.. هناك أيضاً مئات السياسيين السنّة الذين يطلقون تصريحات يومية عن ضرورة التصدي «للشيعة المنحرفين» والدفاع عن «السنّة».

 

لقد ذهبت المخابرات السعودية إلى حدود أبعد. طلبت من قائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المعروف تاريخياً بولائه لـ«إسرائيل» وللسعودية حالياً أنّ يتدخل، وليته لم يفعل.. لأنه دعا رئيس الحكومة إلى إطلاق تشكيلة حكومية ليس فيها ممثلون وزاريون لحزب الله وكتلة السنّة المستقلين أو الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال الحالية التي لم تعد تعكس نتائج الانتخابات الحالية. وهذه فاز فيها حزب الله وحلفاؤه والتيار الوطني الحر التابع لرئيس الجمهورية مقابل تراجع كبير لحزب الحريري وحلفائه.

 

كما كلفت هذه المخابرات النائب السابق فارس سعيد الذي اعتبر على محطات التلفزة أنّ حرب إيران التي تعتدي على الخليج يبدأ بقهر حزب الله في لبنان.

 

شعبياً، يجري تجييش شعبي كبير في الأحياء والمدن السنيّة في بيروت وطرابلس وصيدا والقرى البقاعية والعكارية، عبر المخاتبر ورؤساء البلديات وزعماء العائلات بما يشبه اعلان «النفير السني» بوجه الشيعة اللبنانيين الذين يريدون التهام صلاحيات السنّة في الدولة والشارع. ويبدو أنّ السعودية تمكّنت من إقناع مستقلين سنّة كالعيتاني والمخزومي اللذين أعلنا تضامنهما مع السنّة والحريري.

 

…يؤدي هذا التحشيد إلى خلق مناخ فتنة منوّع يذهب إلى حدود قطع طرقات أساسية تربط بيروت بالجنوب وجبل لبنان والبقاع.. وهذا شأن خطير جداً لأنه قد يجرّ إلى اشتباكات فورية لا تحمد عقباها.

 

..إعلامياً، تخصص معظم الأقنية حلقاتها الليلية لإثارة الفتنة السنية ـ الشيعية ببرامج فتنوية واضحة يقدّمها محترفون يجيدون «توليع الضيوف» بأسئلة مستفزة تجعل الضيوف يتخلون عن الوقار الوطني مقابل الانغماس المذهبي الكامل.. وهذا هو الهدف لأنه يحرك المشاهدين مذهبياً.

 

الصحف والإذاعات بدورها لا تبثّ إلا ما يؤدي إلى إنتاج الفتنة وتصعيدها بالتركيز على رئيس الحكومة «المظلوم» الذي «تنازل عن كل شيء» ولم يقبل حزب الله. علماً أنّ تشكيلة الحريري تعطي حزب الله وحلفاءه سبعة وزراء فقط يمثلون 45 نائباً بينما يأخذ الحريري عشرة وزراء لثلاثة وأربعين نائباً مع حلفائه. فما هو هذا التنازل الحريري الذي لا يراه المبصرون؟

 

فهل هذا السيناريو الضخم من إنتاج «حريري ضعيف» اهتزت صورته من عاملين: تراجع حزبه في الانتخابات واعتقاله وإهانته من قبل فريق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولم يجر إطلاق سراحه إلاّ بعد تدخل رسمي فرنسي غربي ولبناني.. ولولا ذلك لكان مصيره مشابهاً للخاشقجي. لأن أسباب اعتقاله كما تقول السعودية هو انحرافه عن خطها السياسي ومهادنته لحزب الله أيّ كالتهمة نفسها التي اغتالوا بسببها الاعلامي جمال الخاشقجي وربما أكثر منه.

 

لذلك فإن المخابرات السعودية بمعونة من سفارة الامارات، تعملان ليلاً نهاراً على خلق فتنة سنية ـ شيعية بنيوية تتجه نحو الانفجار الشعبي بما يؤدي إلى نسف الاستقرار اللبناني.

 

قد يعتقد البعض أنّ الخليج حريص على لبنان، لكن الحقيقة أنّ الخليج لم يعد يرى لبنان نوادي ليلية وشبكات اتجار بالرقيق، بقدر ما يعتبره عريناً لحزب الله الذي تضخّم دوره إقليمياً على مستويين حربي في سورية ومناطق أخرى وفكرياً على مستوى العراق واليمن وربما مناطق إسلامية أخرى في آسيا الوسطى ومعظم العالم الإسلامي وبعض الفئات الشعبية في الخليج نفسه.

 

هذا ما يدفع آل سعود إلى تجيش الفتن الطائفية في لبنان ليس فقط ليس مستوى السنّة والشيعة وإنما لجهة الإساءة إلى علاقات بعض المسيحيين والشيعة مع محاولات دفع الوزير وليد جنبلاط لإنتاج صراع درزي ـ شيعي.. إلا يعني هذا السيناريو حركة واضحة لحصر حزب الله في لبنان، وتعطيل دوره الإقليمي، وإرباكه داخل عرينه. لأن مثل هذا الأمر يفرض على حزب الله كما تعتقد المخابرات السعودية، الانكفاء لبنانياً للاهتمام بالهجمات الداخلية التي تستهدفه. الأمر الذي يفرض عليه مسألتين: الانسحاب من سوري والتوقف عن قتال «إسرائيل» وإلغاء تأثيره الايديولوجي والسياسي في مجمل العالم الإسلامي.

 

وبما أنّ هذه المخابرات تعتقد أنّ حزب الله هو رأس حربة «المشروع الإيراني» كما تسميه.. فنذهب فوراً إلى إطلاق استنتاجات مفادها أنّ تدخل إيران في اليمن والعراق والبحرين وأجزاء من السعودية والكويت والإمارات وعمان وصولاً إلى انحاء من هزارة افغانستان وباكستان.. يصبح قابلاً للزوال، بعرقلة حزب الله في لبنان..

 

لذلك بالإمكان الاستنتاج استناداً إلى «عالمية الأهداف» التي تنشدها المخابرات الخليجية.. أنّ السياسة الأميركية ليست بعيدة عنها، إلى حدود الاعتقاد بأنها هي من طلب من السعودية والامارات اللعب على عوامل الفتنة الطائفية في لبنان.

 

إنّ الرد على هذه الفتنة هو الاستمرار برفض الانجرار إلى لعبة الشارع.. مع التأكيد أنّ ما يجري ليس فتنة لأن سعره لا يزيد عن تعيين وزير واحد من كتلة سنية مستقلة نجحت بمنافسة لوائح الحريري الذي لا يريد الاعتراف بها.. ولكي ينجح في مسعى رفضها ينقل المعركة من سنية ـ سنية إلى الزعم بأنّ هؤلاء السنّة المستقلين هم «أزلام» حزب الله.. فهل يجوز «توليع» البلد من أجل مقعد وزاري لن «ينقص من أهمية الحريري ولن يزيد في أحجام الآخرين.. بقدر ما يؤكد على معادلة انكسار الهيمنة الحريرية ـ السعودية على كامل السنّة. وللمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الفائت، الذي يؤرخ لهيمنة المرحوم رفيق الحريري بخلفية سعودية على كامل لبنان وليس على السنّة فقط.

 

يقيناً بأنّ حزب الله وحلفاءه في القوى الوطنية والقومية لن ينجروا إلى الفتنة إنما في إطار التشبث الشديد بحقوق الكتلة السنية المستقلة التي لا تقبل بدولة من القرون الوسطى تسيطر على لبنان، وترفض أسلوب الاغتيالات لا في لبنان، ولا في السعودية ولا في أي مكان آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى