الصهيونيّة تُخطّط وتُنفّذ والعرب يُطيعون ويُطبّعون
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
زهير أندراوس
الشهيد البطل غسّان كنفاني من الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين: “في الوقت الذي كان يُناضِل فيه بعض الناس.. ويتفرج بعضٌ آخر.. كان هناك بعضًا أخير يقوم بدور الخائن”.من حقّ إسرائيل، لا بلْ من واجبها، اعتمادًا على معتقداتها الصهيونيّة-التوراتيّة، أنْ تُطالِب الغرب والعرب وتحديدًا الفلسطينيين، بالاعتراف بأنّها دولة الشعب اليهوديّ. ومن حقّنا ومن واجبنا الوطنيّ والأخلاقيّ، أنْ نرفض هذا المطلب جملةً وتفصيلاً، قلبًا وقالبًا، وأكثر من ذلك، يتحتّم على الناطقين بالضاد من محيطهم إلى خليجهم، ونحن نتكلّم عن الشعوب، لا عن النُظُم الحاكمة والمتواطئة مع أمريكا، أنْ تُعلِن موقفها الرافض لهذا المطلب. وليس عن طريق الغوغائية والعبثيّة، أوْ من باب بيانات الشجب والاستنكار والتعبير عن الامتعاض، بلْ من منطلقات علميةٍ وعمليةٍ، ترتكز فيما ترتكز إلى الأدلّة والوثائق والقرائن التي تُثبت بما لا يدعو مجالاً للشكّ، بأنّ الرواية الصهيونيّة، التي سوقّتها إسرائيل منذ زَرْعِها هنا في الشرق الأوسط، هي رواية كاذبة ومزيفّة ومزورّة، مثل المقولة أنّ فلسطين هي أرض بلا شعبٍ لشعبٍ بلا أرضٍ.
المُطالبة الإسرائيليّة بالاعتراف بيهودية الدولة تخدم أقطاب تل أبيب على الصعيدين الاستراتيجيّ والتكتيكيّ، فإذا أخذنا الجانب الثاني، أيْ التكتيكيّ، فإنّ الحكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة، وبهدف التملّص مما يُسّمى بعملية السلام، استخدمت هذه الحُجّة، أيْ رفض الفلسطينيين الاعتراف بيهوديتها، بهدف التخلّص من استحقاقات “العمليّة السلميّة”، وهي بالأحرى عملية مفاوضات عسيرة، لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، ولن تُحقق أيّ شيءٍ على الأرض. وللدلالة على ذلك، يكفينا الإشارة في هذه العُجالة إلى أنّه بعد 25 عامًا من التوقيع على اتفاق أوسلو التعيس والمنكود بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينيّة، وصلت أعدل قضية في العالم، إلى الدرك الأسفل، أوْ أكثر من ذلك إلى حضيض الحضيض، وباتت تحتّل مرتبة متأخرةً جدًا في الأجندة الإقليميّة والدوليّة، الأمر الذي لا يُبشّر خيرًا، ولا يبعث على الطمأنينة.
ولا نعتقد أننّا نتجنّى على أحد إذا قُلنا، ولم نفصل، إنّ القوى الإقليميّة المُتصارِعة في الشرق الأوسط، باتت مُتسارعة جداً في حلّ معضلة الحركات الدينيّة الأصوليّة، إنْ كانت مسيحيّة أو إسلاميّة أو يهوديّة، والتي تتخّذ من الدين حجة لتنفيذ مآربها، والحروب الصليبيّة أكبر دليلٍ على ذلك. فالأزمة الاقتصاديّة التي اندلعت آنذاك في أوروبا، دفعت بالمسيحيين إلى رفع راية الصليب، زورًا وبُهتانًا، طمعاً في السيطرة على موارد المنطقة هنا، أيْ أنّه في حالتنا هذه، فإنّ الغاية تُبرر الوسيلة، وتجيير الدين، أيّ دين، ما هو إلّا وسيلة لتبرير الغاية، أيْ تحقيق الأطماع الماديّة، علاوة على ذرّ الرماد في العيون.
يهودية إسرائيل تحمل في طيّاتها الكثير من المخاطر على الأمّة العربيّة وعلى الفلسطينيين بشكلٍ خاصٍ، لأنّ هذا الطلب غالٍ ونحن، للأسف الشديد، بتنا من أرخص المُنتجات على وجه هذه المعمورة. الصهيونيّة، خلافًا لنا، وضعت الخطط الخبيثة، التي لا تقتصر على فلسطين التاريخيّة فقط، بل أبعد من ذلك بكثيرٍ، وبالتالي المُطالبة بيهوديّة هذه الدولة تخدم الصهيونيّة في الترويج للعالم برّمته مقولة رئيس الوزراء الإسرائيليّ الأسبق، إسحاق شامير بـ”أنّ العرب هم نفس العرب والبحر هو نفس البحر”، أيْ أنّهم يرفضون السلام مع دولة الاحتلال، ولا يُفوّتون فرصة لتفويت فرص السلام المنشود مع الإسرائيليين. وعلى الرغم من أنّ الحديث الإسرائيليّ هو خرافة وهراء، إلّا أنّ العالم، ونقصد الحكومات لا الشعوب، تتقبلّه وكأنّه أُنزِل من السماء، ليس لأنّ إسرائيل قويّة، بل لأننّا ضعفاء. كما أنّه لا يُمكننا القفز عن البديهيّة التاريخيّة، وهي أنّ هذه الدولة تتحكّم بدوائر صنع القرار في واشنطن، عبر اللوبيات الصهيونيّة واليهوديّة، الأمر الذي يجعل أيّ صراعٍ معها، بما في ذلك المُسلّح، حرباً ضدّ أمريكا. ولا غضاضة في هذا السياق من التذكير بما كان رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون، قد تميزّ به، كما أوردت صحيفة “معاريف” العبريّة: “كان يتقزّزّ عندما يرى الزعماء العرب بالتلفاز وأَمَر في كثيرٍ من الأحيان بإلقاء جثث الفلسطينيين بالنفايات”. وأكثر من ذلك، أتخيّل شارون، ومن قبله باراك ورابين، ومن بعده بنيامين نتنياهو، يقولون: أنا إسرائيل، لديّ القوة للسيطرة على السياسة الأمريكيّة، وـ(إيباك) يُمكنها كسر أوْ صنع أيّ سياسيّ كما تشاء، وكما ترون، إنّهم جميعًا يتنافسون لإرضائي، أمّا القوى في العالم فتكون عاجزةً في وجهي، بما في ذلك الأمم المتحدّة، لأنّ الفيتو الأمريكيّ يمنع أيّ إدانة لبلدي ضدّ جرائم الحرب.
هذه الدولة المُعربِدة بامتياز، والمارِقة مع علامة الجودة، باعتقادنا المُتواضع جدًا، لن تتنازل قيد أنملة عن المُخططات التي وضعتها، وتقوم بفرضها على أرض الواقع، مستغلةً التخاذل العربيّ والهوان الفلسطينيّ. إنّها بسذاجة تُريد أنْ تكون دولةً نقيةً من العرب، ولكن بما أنّ الترحيل الجماعيّ (الترانسفير)، لم يَعُد عمليًا، كما فعلت في النكبة المشؤومة، فإنّها تلجأ لاستخدام القوانين العنصريّة التي يشّرعها البرلمان الصهيونيّ، لتضييق الحيّز، الضيٌّق أصلاً، على الفلسطينيين في الداخل، بهدف دفعهم إلى الهجرة أو التهجير الطوعيّ. أمّا بالنسبة إلى حلّ الدولتين لشعبين، فالدولة العبريّة تُريد تطبيق الحلّ على أرض الواقع، ولكن مع تعديلٍ “طفيفٍ للغاية”، الوطن البديل، أيْ أنْ تكون الأردن هي دولة فلسطين، وهكذا تتخلّص إسرائيل من الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة، أمّا بالنسبة لقطاع غزّة، فهناك خطة الجنرال غيورا آيلاند، والتي تتحدّث عن إقامة دولة غزّة الكبرى، عبر قيام مصر بمنح الفلسطينيين مساحات من الأرض في شبه جزيرة سيناء تعويضًا لهم عن الأراضي التي ستأخذها إسرائيل. وبما أنّ الجنرال آيلاند، هو “بطل أبطال الأخلاقيّة” في العالم، فإنّه يشرح في خطّته الشيطانية أنّه بإمكان الفلسطينيين تطبيق حقّ العودة إلى غزّة الكبرى!!!.
الأزمة السوريّة، تداعياتها وتبعاتها وإرهاصاتها تدخل هي الأخرى في إطار المطامع الصهيونيّة ليهودية الدولة. فالجولان العربيّ السوريّ المُحتّل منذ عام 1967، يمُرّ في عملية تهويدٍ لم يسبق لها مثيل. ونميل للاعتقاد بأنّ القضاء على الدولة السوريّة وتدمير هذا البلد العربيّ المُمانع والداعم للمقاومة اللبنانيّة والفلسطينيّة على حدٍ سواء، يندرج في تطبيق الخطّة، التي يُشارك في إخراجها إلى حيّز التنفيذ الثالوث غير المُقدّس: الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، ليس لضمان أمن إسرائيل فقط، بل توطئة للقضاء نهائيًا على القضيّة الفلسطينيّة، لأنّه، وهذا أيضًا وارد جدًا، القضاء على سوريّة، يُحقِق حُلم بن غوريون: “إنّ عظمة إسرائيل لا تكمن في ترسانتها النوويّة، بلْ في انهيار ثلاث دول، مصر والعراق وسوريّة”: مصر أُخرجت من المعادلة عام 1979، العراق أُبعد لدى الغزو الأمريكيّ عام 2003، وسوريّة ما زالت تُحارب من أجل الذود عمّا تبقّى، هذا إذا تبقّى كرامة للأمّة العربيّة.كاتبٌ عربيٌّ من فلسطين