التقارب السعودي – الإسرائيلي وخلط الأوراق السياسية في الشرق الأوسط

مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ

 

خلال مشاركته القوات الأميركية احتفالها بعيد الشكر عبر الفيديو من منتجعه في ولاية فلوريد، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء صحفي عبر الهاتف فوجّه له سؤالين، الأول حول عملية القتل التي جرت في القنصلية السعودية باسطنبول شهر تشرين الأول الماضي

للصحفي السعودي الذي اتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، وأما الثاني فبخصوص وجود وثائق لدى «سي آي إيه» وتسجيل يثبت طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إسكات الخاشقجي، فأجاب الرئيس على هذين السؤالين بقوله: «لا أرغب في الحديث عن هذا الأمر، عليكم الاستفسار منهم».‏

لكن ترامب الذي تحدّث مطولاً دون أن يعطي أي اهتمام للجهة التي أمرت بالقتل قال: «السعودية حليف قوي لنا» إذ تبين أن لها مساهمتها الفعالة في قوة أميركا وعظمتها، كما أن لها دورها بتسهيل التسويق الذاتي لترامب باعتباره «إله» الوقود الرخيص، وفي هذا السياق يقول الرئيس الأميركي: «وجهت لي إحدى الصحف الملامة لجهة التسبب في إحداث أزمة إثر التراجع الحاد في أسعار النفط.. ولكن دعونا نخفضها أكثر»، إذ إنه وفقاً لتحليل ترامب فإن التخفيض يصبّ في مصلحة السعودية» ثم استطرد «وإسرائيل كانت ستتعرض لمأزق كبير لولا الرياض».‏

في مقابلة أجرتها صحيفة وول ستريت جورنال معه في تشرين الأول، أثنى ترامب على السعودية باعتبارها حليف جيد في مجال تقديم خدماتها في الأمور المتعلقة بإيران وإسرائيل، وقد نشر هذا التصريح الرئاسي بتاريخ 20 تشرين الثاني بعنوان «أميركا أولا!»، وركز في تلك المقابلة على دور السعودية المهم قائلاً: «إن دعم السعودية في حربنا الضرورية على إيران أمر ضروري لضمان مصالح كل من بلادنا وإسرائيل وشركائنا الآخرين في المنطقة».‏

وقد أضاف قائلاً: «هدفنا الأسمى يتمثل بالقضاء على التهديد الإرهابي في سائر أرجاء العالم»، لكن على الرغم مما يبدو بأنه يتحدث عن هدف نبيل، لكنه لا يسير بالوجهة الصحيحة إذ إن الرئيس الأميركي يتعاون مع دولة أمضت 70 عاماً في إرهاب الفلسطينيين، ودولة أخرى تخوض حرباً مدمّرة ضد اليمن، وفي ضوء ما يؤكده الواقع فإن 15 من أصل 19 إرهابياً نفذوا أحداث 11/9 ينتسبون إلى المملكة العربية السعودية.‏

ما يثير الاستغراب بأن الدولة التي تضخ مليارات الدولارات لإسرائيل، وتزود المملكة السعودية بالقنابل التي تتسبب في مجازر تطول طلاب المدارس اليمنية، وتقتل بها المدنيين في شتى أرجاء العالم تضع نفسها في موضع المسؤول عن مجابهة العمليات الإرهابية الواسعة، لكن لكونها القوة العظمى في العالم فإنها أعطت لنفسها الحرية في ارتكاب ما يحلو لها في الحين الذي نراها تظهر إصراراً وإلحاحاً على كون إيران دولة راعية للإرهاب على الرغم من أنها لم ترتكب أي أعمال إرهابية.‏

لقد جابهت طهران الغطرسة الأميركية عندما عمدت إلى تحدي الهيمنة الإقليمية التي يحاول محور الولايات المتحدة – السعودية – إسرائيل فرضها، الأمر الذي يعتبر إهانة لتلك الامبراطورية لذلك نجدها تعمد إلى مواجهة ذلك التحدي بعسكرة المنطقة على نحو متزايد وصبّ المزيد من رؤوس الأموال على صناعة الأسلحة الأميركية.‏

ثمة تناغم سعودي- إسرائيلي هدفه إشعال أوار الحروب في الشرق الأوسط، لذلك ليس من المستغرب أن قطاعات الاقتصاد الأميركي التي جنت ثماراً من خلال هذه الفوضى تنظر لهذا الثنائي باعتبارهما شريكين مثاليين ضمن مسرحية مكافحة الإرهاب.‏

نشر موقع بلومبيرغ في تشرين الثاني مقالاً تحت عنوان «إسرائيل تحظى بدعم ولي العهد السعودي ضد إيران على الرغم من قضية الخاشقجي» فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول: «إنه لا يرغب بإثارة الجدل حول مقتل الخاشقجي خشية انعكاسه سلبا على هدوء بلاده، ولا سيما بعد التحالف مع المملكة ضد العدو المشترك المتمثل بإيران».‏

وعلى الرغم من أن المقال يشير إلى التحالف السري إلا أنه ورد به أيضاً: «يجمع بين البلدين منذ أمد طويل علاقات سياسية واستخباراتية وتجارية سرية ويضم بعضها كبار مقاولي الدفاع الإسرائيليين».‏

ومع تزايد احتمالات مصادقة السعودية على «صفقة القرن» التي وعد ترامب إسرائيل بها فقد ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز بأن تلك الصفقة لا تقدم أي شيء للفلسطينيين بل تحقق معظم رغبات اليمين الإسرائيلي، وربما نشهد تقارباً حميمياً سعودياً إسرائيلياً على نحو علني عمّا قريب أيضاً.‏

في مقابلة أجراها مع ابن سلمان في شهر نيسان الماضي، أشار جيفري غولدبيرغ في صحيفة أتلانتيك وهو صهيوني متعصب ضد إيران إلى أن «حليف الأمير محمد بن سلمان هو إسرائيل، الدولة التي لم يأت الأمير محمد على قول كلمة سيئة بحقها».‏

وأوضح غولدبيرغ في مقدمة المقابلة أن لقاءه مع ابن سلمان «وقع قبل أحداث العنف الأخيرة على الحدود بين غزة وإسرائيل»، لكنه أضاف قائلاً: «لا أعتقد أن ولي العهد كان سيغير وجهة نظره في ضوء هذه الأحداث، فالسعوديون على غرار العديد من الزعماء العرب سئموا من الفلسطينيين».‏

ليس من حق أي جهة الادعاء بأن القضية الفلسطينية تسبب له الإرهاق، وإن كان ثمة إرهاق وتعب فقد أصاب الفلسطينيون الذين عانوا منذ نحو ما ينوف عن سبعة عقود من التطهير العرقي والمجازر والاعتداء والترحيل على أيدي الإسرائيليين، ذلك الأمر الذي يتماثل مع ما يتعرّض له الشعب اليمني من هجوم وحشي تنفذه السعودية وحلفاؤها، حيث تشير تقارير شبكة تلفزيون إن بي سي إلى أن «أكثر من 85000 طفل قد قضوا نحبهم جراء المجاعة الناجمة عن الحرب في البلاد التي أصبح بها الملايين على حافة الجوع»، وعلى العالم أجمع أن يأخذ هذا التماثل بعين الاعتبار عند التأمل بمستقبل التقارب والتطبيع السعودي- الإسرائيلي الذي يتزايد يوماً إثر يوم.‏

عندما سُئل ترامب خلال المؤتمر الصحفي في يوم عيد الشكر حول الجهة التي يجب مساءلتها عن مقتل خاشقجي، قال: «ربما ينبغي محاسبة العالم، لأن العالم بات بؤرة للشر»، ومع هذا القدر الكبير من خلط الأوراق في الشرق الأوسط، قد يشهد العالم أزمة كبرى في هذا القرن.‏

بقلم: بيلين فرنانديز‏  Middle East Eye

ترجمة ليندا سكوتي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى