الجولان في حسابات المرحلة.. ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
منير الموسى
وقامت سلطات الاحتلال بفصل سكان القرى: مجدل شمس، مسعدة، بقعاتا، عين قنية، الغجر، نهائياً عن وطنهم وحاولت منع اختلاطهم بالمجتمع العربي داخل فلسطين ووضعهم تحت وصاية الحاكم العسكري الصهيوني الذي اتخذ خطوات قسرية منها: مصادرة الأراضي ومحاربة السكان اقتصادياً. واستبدال المناهج التربوية السورية بمناهج إسرائيلية.
وملاحقة الوطنيين. ومنع دخول الصحافة العربية إلى الجولان، وفرض عقوبات بالسجن والغرامات المالية على من يخالف ذلك. وفرض مجالس محلية ومذهبية، تتلقى تعليماتها من الاحتلال. ومحاولة فرض نوادٍ للهستدروت ودمج أبناء الجولان في المؤسسات الإسرائيلية.
وكل هذه الخطوات التي سبقت قرار الكنيست الإسرائيلي بضم الجولان في 14كانون الأول1981 وكان هدفها دمج السكان العرب السوريين بالكيان الصهيوني، وكانت السلطات المحتلة الممثلة بالحاكم العسكري قد تلقت معارضة شديدة من أهلنا في الجولان في كل إجراء تقوم به.
وقد عمد الاحتلال إلى إصدار هويات مدنية بالجنسية الإسرائيلية لأبناء الجولان قبل إصدار القانون الإسرائيلي بالضم من الكنيست وذلك بهدف إظهار سكان الجولان العرب بأنهم راضون عن الاحتلال أمام الرأي العام العالمي والعربي، لكن لكن أهلنا بالجولان كانوا لهذه المخططات بالمرصاد ونجحوا بالكشف عن عدة معطيات كشفت نيات إسرائيل، فقرر الاحتلال المجاهرة بخطته وإصدار الهويات المرفقة بالجنسية الإسرائيلية بشكل علني، فأدرك أهلنا خطورة هذه الخطوة الرامية إلى تجريدهم من الجنسية العربية السورية، فقرروا التصدي لها بحزم موحدين صفوفهم، وتم نبذ العملاء من المجتمع ورفضوا استلام الهويات الإسرائيلية، ولكن الاحتلال تابع تزوير الحقائق عبر وسائل إعلامها فكان الرد سريعاً حيث عقد أهلنا في الجولان بتاريخ 16/1/1979 اجتماعاً عاماً في مجلس مجدل شمس حضره ما يزيد على 1300 شخص من قرى مسعدة ومجدل شمس وعين قنيا وبقعاتا وأصدروا بيانا إلى الرأي العام العالمي وأهم ما ورد فيه رفضهم الهوية الإسرائيلية وعدم التنازل عن الهوية العربية السورية. فقامت سلطات الاحتلال بحملة اعتقالات في صفوف المواطنين وصادرت الأملاك وضيقت الخناق عليهم، فكان ردهم أكثر حزماً وتصميماً فدعوا مجدداً إلى اجتماع جماهيري في مجدل شمس وقاموا بإصدار الوثيقة الوطنية لأهالي الجولان التي كان لها كبير الأثر في الانتصار التاريخي الذي حققه أهالي الجولان مشددين فيها على أن الجولان العربي المحتل جزء لا يتجزأ من سورية العربية، وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لهم ولا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين، وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر.
وأعلنوا في الوثيقة عدم الاعتراف بالمجالس المحلية، لأن الحاكم العسكري الإسرائيلي هو الذي عينها وتتلقى تعليماتها منه، واعتبروا أن رؤساء و»أعضاء هذه المجالس لا يمثلوننا بأي حال من الأحوال». وقرروا بحزم أن كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية أو يخرج عن مضمون تلك الوثيقة يكون منبوذاً ومطروداً من ترابطنا الاجتماعي ويحرم التعامل معه أو مشاركته أفراحه وإحزانه أو التزاوج معه إلى أن يعترف بذنبه ويرجع عن خطأه ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقة».
وحدثت مواجهات وصدامات مع قوات المحتل في القرى السورية المحتلة المحاصرة وقطعت المياه والكهرباء ومنع التموين الغذائي عن سكان القرى وعاش أهلها حصارا استمر أربعين يومياً حرموا فيها من التنقل بين القرى أو التجمهر أو التجمع في الساحات العامة ومنع وصول المعونات الغذائية من عرب فلسطين الذين هبوا لنجدة أهلهم في الجولان وحاولوا مراراً تحدي الحصار والوصول إلى القرى الأربع المعزولة تماماً عن العالم الخارجي ولكن سلطات الاحتلال شددت قبضتها بهدف كسر إرادة المواطنين العزل المؤمنين بصدقية مطالبهم وحتمية انتصارهم وزوال الظلم عنهم.. ثم أرسلت سلطات الاحتلال موظفين من وزارة الداخلية الصهيونية لاستعادة بطاقات الهوية التي سلمت لعدد من سكان الجولان ولكن عملت على منع جمع شمل الأسر السورية وعودتها إلى الجولان في انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
واعتبرت سورية قرار الضم باطلاً ولا بديل عن الهوية السورية وأن الجولان سيبقى عربياً سورياً، ولطالما وجهت سورية وكذلك أبناؤها في الجولان العربي السوري المحتل رسائل إلى الجهات الدولية والإنسانية المعنية يطالبون فيها بلجم الاعتداءات الإسرائيلية واتخاذ موقف أممي حازم تجاه ممارسات إسرائيل العنصرية ومحاولاتها طمس الهوية السورية، مع التأكيد دوماً على تنفيذ القرار 497.
وفي تشرين الأول الماضي وجهت وزارة الخارجية والمغتربين السورية رسالتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن بشأن انتخابات ما يسمى «المجالس المحلية» التي تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءها في الجولان السوري المحتل، والهادفة إلى إضفاء الشرعية على مؤسسات غير شرعية أصلاً وتمثل سلطة احتلال وهي محاولة ترمي إلى تمرير مشاريعها التهويدية الاستيطانية العنصرية لشرعنة وترسيخ الاحتلال وتطبيق القانون الإسرائيلي على الجولان العربي السوري المحتل. وطالبت الخارجية السورية مجلس الأمن الدولي، بالتحرك العاجل لحفظ الأمن والسلم الدوليين من خلال إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على المواطنين السوريين في الجولان المحتل وإلزام «إسرائيل» باحترام قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة ووقف سياساتها الاستيطانية غير القانونية وإجراءاتها القمعية بحق أهالي الجولان. ونظم أبناء الجولان السوري المحتل في 30 تشرين الأول الماضي اعتصاماً كاستمرار للعصيان منذ 37 عاماً بمواجهة القوانين الإسرائيلية، أمام المدرسة الثانوية في بلدة مجدل شمس المحتلة رفضاً لإجراء انتخابات المجالس المحلية لإسرائيل، التي تريد سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضها على أهالي الجولان.
ويسعى الكيان الصهيوني بكل السبل للحصول على اعتراف أميركي بضم الجولان. وقبل أشهر قليلة تقدم بخطوة إضافية ودعا الإدارة الأميركية إلى الاعتراف رسمياً بضم الجولان. ويعرض الكيان الغاصب الاعتراف بالجولان بوصفه امتداداً للاعتراف بالقدس أي إن قرار ترامب بشأن القدس فتح شهية إسرائيل للمزيد نحو الجولان، وراح نتنياهو يحشد لاعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل منذ شهر آب الماضي، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بعيدة المدى. وسيهدد استقرار المنطقة، وفي 17 من الشهر الماضي صوّتت الولايات المتحدة للمرة الأولى ضد قرار سنوي تصدره الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين احتلال إسرائيل هضبة الجولان، في موقف يناقض ما درجت عليه الإدارات الأميركية السابقة من الامتناع عن التصويت.
والجولان، ذو أهمية إستراتيجية سورية؛ ويقع على مسافة 31 كيلو متراً من دمشق، ويطل على جنوب لبنان، وشمال فلسطين المحتلة، ومعظم جنوب سورية. كما يتمتع بوفرة من الموارد الطبيعية – ولا سيما المياه (وثمة تقارير بشأن وجود كميات ضخمة من النفط فيه)، وقد اعترفت إسرائيل بالتنقيب الاستكشافي عام 2014 والذي يجري في منطقة تغطي ثلث الجولان العربي السوري المحتل ويهدد بشكل مباشر النظام البيئي الدقيق والمتنوع وجودة المياه الجوفية في المنطقة.
ومنذ عام 1948 حفرت إسرائيل 8 آبار عميقة للوصول إلى المياه الجوفية بالقرب من الحدود السورية التي لا تزال تضخ في معظمها إلى المستوطنات بلا قيود.
إن الحرب العدوانية الأطلسية التي تشنها دول الغرب وإسرائيل والمطبعون معها و»الذين دعموا الإرهاب» لتوطيد مزاعم إسرائيل بالسيادة على موارد المياه الثمينة للجولان. إذ يشكل الجولان حوض تصريف نهر الأردن وروافده إلى الغرب، وبحيرة طبرية ونهر اليرموك إلى الجنوب. كما أنَّ للجولان أكثر من 200 نبع ماء وعشرات من جداول المياه.
علاوة على أن أراضي الجولان شديدة الخصوبة. وقد سنت إسرائيل، منذ عام 1968، سلسلة من القوانين التي لها أثر ضار على المزارعين السوريين، الذين يعتمدون في حياتهم على الزراعة. وبهذا فقدوا الوصول إلى المياه النابعة من مزارعهم وصاروا مجبرين على شراء المياه من الشركات الإسرائيلية التي تفرض عليهم أسعاراً باهظة.
وقد قال رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق إسحاق رابين عام 1995: إنَ «أعظم خطر تواجهه إسرائيل في التفاوض مع سورية هو احتمالية خسارة سيطرتها على الموارد المائية في الجولان». ولذلك فإن السلام لن يأتي من خلال التفاوض بل يأتي من خلال المقاومة، أي إن الحرب على سورية ومساعدة ودعم إسرائيل للإرهابيين هي أيضاً حرب مياه في المنطقة، غايتها منع عودة الجولان العربي السوري إلى حضن الوطن سورية، وهنا تحضر مقولة الرئيس الخالد حافظ الأسد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.