هواية قد تطيل عمرك إلى 100 سنة أو أكثر ”
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
هناك هواية واحدة مشتركة تجمع بين الكثيرين من المعمرين حول العالم، وهي البستنة، أو زراعة الحدائق والاعتناء بها. فهل يمكنك أن تطيل عمرك وتزيح عن كاهلك الهموم بممارسة هذه الهواية؟
أجرى الباحث دان بويتنر، المتخصص في دراسة المناطق التي يكثر فيها المعمرون، دراسة لخمسة أماكن حول العالم اشتهر مواطنوها بأنهم من المعمرين، وهي جزيرة أوكيناوا في اليابان، ونيكويا في كوستاريكا، وجزيرة إيكاريا في اليونان، ولوما ليندا في كاليفورنيا، وسردينيا في إيطاليا.
فالناس الذين يعيشون في هذه الأماكن، التي تسمى “المناطق الزرقاء”،مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ تجمعهم عوامل محددة، مثل شبكات الدعم الاجتماعي، وعادات ممارسة الرياضة اليومية، والغذاء القائم على النباتات. لكن يجمعهم أيضاً أمر آخر غير متوقع، ففي كل مجتمع من هذه المجتمعات، يمارس الناس هواية البستنة، حتى سن متأخرة تصل إلى 80 و 90 سنة أو أكثر. فهل تمكنك ممارسة الزراعة من العيش حتى 100 سنة أو أكثر؟
تحسن المزاج
من المعروف جيداً أن الحياة خارج جدران البيت وممارسة الرياضة البدنية باعتدال ترتبطان بالعيش حياة أطول، وتعتبر زراعة الحدائق المنزلية طريقة سهلة لتحقيق الأمرين. “إذا كنت تمارس زراعة الحدائق، فإنك تحصل على تمارين بدنية غير مرهقة غالبية الأيام، وتتمكن من العمل بشكل معتاد”، كما يقول بويتنر.
ويضيف أنه يوجد دليل على أن من يعملون في البستنة يعيشون حياة أطول، وأقل توتراً. وتؤكد ذلك دراسات متنوعة تشير إلى أن ممارسة البستنة أمر مفيد للصحة العقلية والبدنية.
ففي دراسة هولندية حديثة، طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة أن يؤدوا مهام تتسبب في التوتر، ومن ثم قسموهم إلى مجموعتين. إحدى المجموعتين مارست القراءة بين أربعة جدران، بينما مارست المجموعة الثانية البستنة في الخارج لمدة 30 دقيقة.
وقالت المجموعة التي مارست القراءة إنه طرأ “مزيد من التدهور” على مزاجها، بينما طرأ انخفاض في هرمون الكورتيزول،مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ أو هرمون التوتر، لدى المجموعة التي مارست البستنة، كما أن من في هذه المجموعة شعروا بأنهم “عادوا بالكامل” إلى مزاج جيد. وتوصلت دراسة أسترالية تقوم بمتابعة مجموعة من الرجال والنساء في الستينيات من أعمارهم إلى أن الذين يمارسون البستنة بانتظام لديهم خطر أقل بنسبة 30 في المئة للإصابة بأمراض الشيخوخة، مقارنة بأقرانهم الذين لا يمارسون البستنة.
وتشير دراسات أولية عن المسنين الذين يعانون من أمراض ذهنية (مثل الشيخوخة وألزهايمر) إلى فوائد البستنة والعلاج عن طريق ممارسة الزراعة.
فضوء الشمس والهواء النقي على سبيل المثال يساعدان المسنين الذين يشعرون بالتوتر والعصبية في أن يصبحوا أكثر هدوءاً، بينما يمكن لألوان وأوراق النباتات والخضراوات المختلفة المساعدة في تحسين القدرات البصرية والحسية.
ولا يوجد علاج للتقدم في السن، لكن يرى العلم أن البستنة تحسن فعلاً من جودة حياتنا عندما نتقدم في السن.
دع الطبيعة تحصنك
ولا يتعلق الأمر بالتأثيرات الصحية فقط، بل إن الفوائد الاجتماعية لممارسة البستنة يمكن أن تطيل العمر.
ويعكف الدكتور برادلي ويلكوكس من جامعة هاواي على دراسة المعمرين في جزيرة أوكيناوا التي يوجد بها أعلى نسبة من المعمرين في العالم تصل إلى خمسين شخصاً من بين كل 100 ألف شخص. فالكثير من المواطنين هناك لديهم حدائق شخصية صغيرة يعتنون بها عندما يتقدمون في السن.
ويقول ويلكوكس إن البستنة، إلى جانب أمور أساسية أخرى، تساعد في طول العمر. ويضيف: “في أوكيناوا، يقولون إن أي شخص يتقدم في السن وهو بصحة جيدة يحتاج إلى معرفة مفهوم ” إيكيجاي ” الياباني، الذي يعني وجود هدف للعيش من أجله. والبستنة تعطيك سبباً لكي تنهض من أجله كل يوم”.
على رأس ذلك، كما يوضح ويلكوكس، يقدر سكان أوكيناوا قيمة مفهوم آخر يُعرف باسم ” ويمارو”، أو المستوى العالي من الترابط الاجتماعي.
ويضيف: “الإلتقاء بالآخرين في السوق المحلية، وإحضار منتجاتك، ومشاركة الآخرين إبداعاتك في الحديقة أو المزرعة، كلها أمور تعبر عن نشاط اجتماعي هائل. وهو ما يساعد الناس بالتأكيد على الإحساس بأنهم متواصلون مع الآخرين، وغير معزولين عن المجتمع”.
إن الشعور بالترابط والتواصل مع الآخرين أمر مهم، يماثله في الأهمية ارتباط الإنسان بالطبيعة. فقد أظهرت إحدى الدراسات الصادرة عن جامعة هارفارد أن الناس الذين يعيشون في مناطق تحيط بها الخضرة والأشجار، يعيشون لفترات أطول، مع احتمالات أقل للإصابة بالسرطان أو أمراض التنفس.
ويمكن الآن للأطباء في اسكتلندا أن يكتبوا في وصفاتهم الطبية المشي في الطبيعة كعلاج لأمراض متنوعة، بما في ذلك علاج ضغط الدم المرتفع، والحد من التوتر، ولتحسين الإحساس بالسعادة بشكل عام.
كما أن البستنة -حتى لو كانت في بقعة صغيرة في منطقة حضرية- هي طريقة بسيطة لإدخال الإحساس بالطبيعة في حياتك اليومية.
أخيراً هناك مكون غذائي لطول العمر يمكن للبستنة المساعدة فيه أيضا. فقد ربط الباحثون بين “الطعام المتوسطي” أي في منطقة حوض البحر المتوسط، الغني بالخضراوات والفواكه والحبوب، والبذور، والبقول، والأسماك، وزيت الزيتون، وبين بطء الشيخوخة.
يقول ويلكوكس إن المباديء الأساسية لأكل كميات وافرة من الخضراوات الطازجة التي يفضل أن تأتي من الأسواق والمزارع المحلية، مهم للغاية لطول العمر، سواء كان الطعام من منطقة البحر المتوسط أم لا. ففي جزيرة أوكيناوا على سبيل المثال، غالبية الناس يزرعون خضراوات مثل الليمون الحامض، والبطاطا الحلوة في حدائق بيوتهم.
ويضيف: “عندما تتناول خضراوات زرعتها بنفسك، فإن طعمها يكون مختلفاً، ولذيذاً ويجعلك فعلاً تشعر بالفرق في الأمور المفيدة للصحة (مثل الفيتامينات والمعادن والمركبات الحيوية ) في الطعام ذاته”.
ويوصي بويتنر، خبير ما يعرف بـ “المناطق الزرقاء” (التي تضم أكثر المعمرين حول العالم)، بتناول طعام يتكون من “90 في المئة، من النباتات، وخاصة البقوليات والخضراوات”. ويشير إلى حقيقة بسيطة، وهي أن المزارعين يميلون إلى زراعة ما يرغبون في أكله.
الزراعة من أجل حياة أطول؟
إذا كانت البستنة عملاً جيداً، فهل الزراعة والعمل في المزرعة يعتبر عملاً أفضل؟
العديد من العوامل المتعلقة بأسلوب الحياة وطريقة العيش والمقترنة بطول العمر – مثل العيش في الريف وممارسة الرياضة – تنطبق أيضاً على المزارعين.
وتشير بعض الأدلة إلى أن الزراعة تعتبر إحدى أكثر الوظائف فائدةً للصحة. فقد بينت دراسة أسترالية أنه يرجح أن يعاني أقل من ثلث المزارعين من الأمراض المزمنة، ويرجح أن يقل عدد من يزورون العيادات الخارجية بنسبة 40 في المئة من الذين لا يعملون في المزارع.
وقد قارن باحثون من الولايات المتحدة نسبة الوفيات بين المزارعين، وبين عموم السكان، ووجدوا أنه من المستبعد أن يموت المزارعون بسبب مرض السرطان والسكر وأمراض القلب.
كما أظهرت دراسات أجريت في كل من السويد وفرنسا أن المزارعين يتمتعون بصحة أفضل من صحة غير المزارعين.
وقد أجرى الدكتور مساهيكو جيما، من جامعة واسيدا في طوكيو،مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ بحثاً عن المزارعين في مقاطعة سايتاما وسط البلاد، فوجد أن لديهم فرصا للعيش حياة أطول وهم يواصلون عملهم حتى وقت متأخر من العمر، مقارنة بغير المزارعين.
وكان العديد من أفراد العينة التي أجرى جيما بحثه عليها يعملون مزارعين غير متفرغين أو متقاعدين، وهو يصف الكثير من مسئولياتهم بأنها “مشابهة للعمل في رعاية الحدائق”.
ويقول جيما: “الحدائق العائلية الصغيرة شائعة في اليابان”، وقد وجد أن المزارعين الذين يعملون لحسابهم الخاص يستمتعون بتغيرات إيجابية ومهمة في حالتهم النفسية والبدنية قبل وبعد الإنخراط في أنشطة زراعية خفيفة.
ويقول عن ذلك: “نتوقع أن العمل الزراعي يُسهم في الحفاظ على حالة صحية من الناحيتين البدنية والمعنوية”.
اختبار الواقع
رغم أن النتائج التي توصل إليها جيما مشجعة وواعدة، إلا أن النموذج الياباني في الزراعة لا ينطبق على جميع أعمال الزراعة كمهنة أساسية للبعض. فالزراعة حرفة لها حجمها في غالبية البلدان الغربية، ويمكن أن يتعرض المزارعون فيها لظروف عمل قاسية وخطيرة، وديون مرتفعة.
من الصعب إذن النظر إلى الزراعة وحدها على أنها وصفة سحرية للشفاء من الشيخوخة. فليست ممارسة الزراعة أو البستنة في نهاية الأمر ضمان لعمر أطول للإنسان. لكن بعض العوامل الأخرى المتعلقة بأسلوب الحياة المرتبط بكل من الخروج من البيت والانخراط في أعمال بدنية خفيفة، وتناول طعام صحي يتكون أساساً من النباتات، قد تكون سبباً في طول العمر. وفي نهاية الأمر، كل شيء يعتمد على التوازن.
يقول ويلكوكس: “أستخدم الكرسي هنا لإعطاء مثال عملي. فالكرسي يقوم على أربعة قوائم هي النظام الغذائي، والنشاط البدني، والنشاط الذهني، والروابط الاجتماعية. فإذا فقدت واحدا منها، فسيختل توازنك، ويمكن لذلك أن يقلل من العمر المتوقع الذي يمكن أن تعيشه”.