كاتب سعودي: الدولة السعودية في أواخر أيامها

مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ

نشرت صحيفة التمكين السعودية المعارضة مقالاً لكاتب سعودي يطلق على نفسه اسماً مستعاراً و هو “فارس دهام” تناول فيه الأسباب لزوال الدولة السعودية الحالية تحت عنوان “المسألة السعودية حسب مفهوم كارل ماركس” قائلاً: يمكننا اختصار تراكمات المسألة السعودية عند عنوان عريض واحد وغير معقد يقول إن نهاية دولة آل سعود الأولى كانت بسبب تهديد استقرار محيطها الإقليمي آنذاك،مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ وأن نهاية دولة آل سعود الثانية كانت بسبب اقتتال أسرة آل سعود فيما بينهم على السلطة، أما ما نشهده اليوم في عهد سلمان وابنه فهو اجتماع ذات السببين!

ما ورد أعلاه يختزل مسارات تاريخية للمسألة السعودية تزدحم بمليارات الوقائع التي لا تزال تتوالى وتتراكم استطرادات أحداثها وما يترتب عليها من نتائج بشكل كمي نحو الأعلى حتى تحدث تغييراً نوعياً يفضي بانهيار الدولة، ويمكن ملاحظة هذه الفرضية خلال المتوسط العام للتاريخ السعودي عبر أكثر فتراته تشنجاً.

ومن منطلق العموم فإن هذا الظرف الذي تعيشه السعودية يتشابه من حيث المضمون مع ظرف الدولة العثمانية في أواخر أيامها، ذلك الظرف الذي خلق للعلن مسألة اسمها المسألة الشرقية، أشهر من تناولها كارل ماركس في كتابه المسألة الشرقية حول القوميات في الدولة العثمانية.

شخَّص ماركس جميع مشاكل الدولة العثمانية آنذاك نتيجة للاستراتيجية الغربية المتبعة ضد العثمانيين، حيث كان الغرب يروج للأفكار القومية والوطنية والشوفينية داخل النخب العثمانية، بينما في الجانب الآخر كان يخاطب الأقليات بلغات تدغدغ مزاجهم حول الحقوق وتقرير المصير.

عبر هذا الخط العام نجحت القوى الغربية في خلق ثورات واضطرابات تحت أحضانها تمكنها الاستفادة من معطياتها حتى تصل هذه القوى بينها إلى صيغة توافق تتقاسم بموجبها نفوذ تركة الدولة العثمانية وهو ما نعيش واقعه اليوم.

رغم هذا كله يظل هناك مرض سياسي مميت تعيشه السعودية الآن أكثر من أي وقت مضى، هو مبدأ مشروعية القرار الذي زادت تأزماته مع تحولات العيش في عصر ما يسمى الدولة الحديثة، حيث إن مفهوم الدولة الحديثة لم يعد مفهوماً مثالياً يتمجج به المثقفون، بل صار تحديث الدولة حداً أدنى للبقاء في ظل عالم اليوم وأصبح قضية وجودية وضرورة للبقاء.

من البديهيات أن تخضع سلطة الدولة لقانون حتى توصف بالنظام وأن تمارس أنشطتها المعتادة والتقليدية بوسائل قانونية يتيحها لها القانون حتى تعفي نفسها من انتفاء مشروعية قرارتها كناية عن تحقيقها للمصلحة العامة بالتوازن مع مصالح المواطنين.

من خلال هذا التعريف البديهي نجد أن آل سعود بدأوا يعانون تفاقم ظاهرة عدم مشروعيتهم وعدم مشروعية قراراتهم ككيان سياسي،مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ وللمعلومية كل تخبطات آل سعود السابقين كانت بسبب أزمة مشروعية القرار مثل استقدام القوات الأمريكية في أزمة الكويت رغم ذلك في العهود السابقة كانت عدم المشروعية داخل مؤشر نسبي يعلو ويهبط، أما منذ تولي سلمان الحكم فكل التخبطات على كافة الأصعدة ليست ناتجة عن خلل في التقديرية أو التطبيق ولا في الآليات بل نتيجة افتقاد القرارات لمبدأ المشروعية.

وقبل أن نختم المقالة، من الطبيعي أن يظهر لنا تساؤل حول العلاقة بين المشروعية والشرعية، فلو اعتبرنا أن الشرعية هي الأصل أو الأنموذج العادل الذي يفترض للدولة أن تقوم عليه وتسعى لتكريسه فإن آل سعود إضافة إلى افتقادهم لأدنى معطيات الشرعية وأنها مجرد شرعية نظرية مفرغة المضمون، يفتقدون توافق مشروعيتهم ومشروعية قراراتهم مع شرعيتهم النظرية المزعومة التي لا أساس لها من الأصل.

الهوامش:

مشكلة الإسلام بالنسبة لأي دولة أنه مجبول على عدة مفاهيم وشرائع تصنع بشكل تلقائي تحديداً للسلطات خلال الأنشطة الإنسانية اليومية، مثلاً وجوب حفظ الضرورات الخمس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضد الحكام لا بمفهوم آل مسيلمة من بني سعود، وبالتالي فإن تشكل الإسلام بهكذا نواة يفضح وبشكل بديهي شرعية ومشروعية أية دولة تدعي انتسابها له.

هذه الخصوصية أبرزت خطورة قانونية للإسلام حسب مفهوم القانون الحديث ضد دولة آل سعود تهددها من جهة الشرعية والمشروعية، مما يعني أن محاربة آل سعود للإسلام تحت حجج اللحاق بركب الدول الحديثة في الحقيقة يسيرون بشكل مقلوب نفى عنهم أية مسوغات تؤهلهم لذلك.

ولعل ما يختص به هذا الهامش تكراره بعدة أشكال مع عدة دول في تاريخنا من طراز دولة بني أمية وبني العباس، حيث شهدت فترات حكم تلك الدول بروز اضطرابات كان مصدرها انتفاء الشرعية من جهة وفقدان المشروعية من جهة أخرى.

في المسألة السعودية ولدت نقطة جذرية من ناحية التحولات التي ستنتج على الهيكل العام للمجتمع في الجزيرة العربية.

تاريخياً لم يحدث أي تدمير للهيكل العام للمنطقة نتيجة الانهيارات السياسية مثل انتقال السلطة من الأمويين إلى العباسيين أو من العباسيين إلى من بعدهم من دويلات ولا حتى في اجتياح المغول للعالم الإسلامي.

في كل هذه الفترات كانت الهيكلة العامة للعالم الإسلامي ترتكز على نظام أبوي سواء على الصعيد السياسي الذي تمثله الدولة أو الخليفة أو على الصعيد الاجتماعي ويمثل قمة هذه الهيكلة الأب أو أكبر الأبناء الذكور.

على هذا النظام الأبوي كانت تتوالى مسيرة التأهيل للكفاءات التي تضبط تماسك المجتمع، وكان التماسك بدرجة من الصلابة جعلت المنطقة تتحمل هزات سياسية استعمارية بحجم الفراغ السياسي الذي نتج عن اجتياح المغول والغزوات الصليبية.

لكن مع العهد السعودي فإن القاعدة ستختلف هنا، إذ أن أي انهيار سياسي سيقترن به تبدلات تطرأ على الهيكل العام لنسيج المجتمع في الجزيرة العربية تهدد نظامه الأبوي الذي كان ضابطاً لوتيرة تأهيل الكفاءات، بعد أن تم نزع فتيله تحت بنود وحجج الأفكار الداعية لحقوق المرأة والطفل وغيرها مما شابهها.

وحتى نبين موقفنا بشكل أدق فنحن هنا لسنا ضد أو مع لكن بعد اهتراء النظام الأبوي فمن المفترض أن يقوم مكانه نظام يستمر في مسيرة إعادة تأهيل الكفاءات ومؤسسات المجتمع التقليدية بشكل طبيعي الإفراز قادر على ابتلاع أزمات سياسية بحجم غزو هولاكو للعالم الإسلامي.

مسألة القوميات في السعودية يمكن تصنيفها من خلال العلاقة مع النظام السعودي، حيث أن القومية الأولى والمبجلة حسب ترتيب آل سعود الإقطاعي هم النجديون ثم الحجازيون ثم أهل الشمال والجنوب، ثم أهل المنطقة الشرقية من معتنقي المذهب السني ثم يأتي في الأخير الطائفة الشيعية.

القارئ لهذه العرقيات أو التصنيفات يتصورها مجرد سرد للوضع الراهن لكنها في الحقيقة تقسيمات يتعامل معها آل سعود كبيادق شطرنج يديرون من خلال تقاطعاتها دفة حكمهم المشؤوم.

** بعد سردنا لحالة الترتيب الإقطاعي لدولة آل سعود يمكن أن ننشئ من خلاله مقالات ترصد عدة ظواهر سياسية واجتماعية ولكن سنترك ذلك كله تجنباً للإطالة والاقتصار عن ذلك بالحديث عن قضية مهمة هي قضية الطبقة الوسطى التي كانت تاريخياً ركيزة التغيير ضد تسلط الطبقات الحاكمة.

اتسعت الطبقة الوسطى في الجزيرة العربية في عهد آل سعود اقتراناً بضخامة مدخولات النفط، وفي عهد ما يسمى طفرة الملك خالد تحول غالبية مجتمع الجزيرة العربية من طبقة منتجة إلى طبقة استهلاكية، وكانت هذه الطفرة استجابة لإيعاز أمريكي- راجع مراسلات السفارة الامريكية في المملكة المرفقة في كتاب حتى لا يعود جهيمان- حيث كان المجتمع السعودي يتمتع بنوع من الاستقلال المادي عن مؤسسات الدولة، الأمر الذي أظهر بصمته على ثورتي العمال ومن ثم جهيمان.

آنذاك أسهم توسيع آل سعود للطبقة الوسطى في تلاشي الريف والقبيلة أمام زحف المدن ومؤسسات الدولة مما خلق وضعاً جديداً لغالبية مواطني الجزيرة العربية حيث أصبحوا مكبلين بحياة تقوم ركائزها على مزاج الدولة في تطويع الناس.

وقد تزامن مع هذا الاتساع حقائق تجذرت داخل طبائع الطبقة الوسطى، أهمها أن القوة التكنوقراطية والمعرفية/المهنية للطبقة الوسطى التي كانت في الماضي سلاحاً تردع به سلطة الدولة صارت تتشكل من الوافدين الذين يسهل تدجينهم بأنظمة الكفالة وأنظمة العمال.

أما القوة الأخرى لأي طبقة وسطى في العالم، القوة البيروقراطية أو الكفاءات الإدارية فهي تحظى بامتيازات تأخذ في الاعتبار الترتيب الاقطاعي لدولة آل سعود الذي يتصدره أهل نجد وبالتالي ضمان آخر وتام الولاء لسلطة الدولة وحمايتها من أي خطر ممكن من أن ينتج عن ديناميكية بناء الطبقة الوسطى.

هكذا فإن البناء الكمي والنوعي للطبقة الوسطى تعرض لانهيار في نسبة العناصر المستقلة مادياً خارج سلطة الدولة عنها عما كانت عليه قبل عهد الطفرة النفطية مقابل بروز تصاعدي سريع لصالح العناصر التي تعتمد في وجودها المادي على سلطة الدولة.

كتلخيص لتبدلات الطبقة الوسطى فإن انقلاب عمودها الفقري الذي كان يقومه نسبة العناصر المستقلة مادياً خارج سلطة الدولة أفقد هذه الطبقة حريتها السياسية التي كانت تنتج سابقا بشكل طبيعي لعدة تفاعلات ناتجة عن خطوط التماس مع سلطة الدولة مثل الاحتجاج على الضرائب أو تدخل الدولة في السوق، وصار العمود الفقري للطبقة الوسطى قائما على العناصر التي تعتمد في وجودها على مدى عبوديتها للدولة.

بعد محاولة شرح ظروف الطبقة الوسطى صار بوسعنا أن نفهم كيف عطّل آل سعود الدور السياسي والحضاري الطبقة الوسطى في الجزيرة العربية وأبطلها بعد أن كانت تاريخياً من أهم القوى الفاعلة للتغيير في أي سلطة ومجتمع مثلما حصل في الثورة الفرنسية.

** من باب الأمانة العلمية لنظرية ماركس هنا حول الطبقات الوسطى، فإنه ينبغي أن نعي بعيداً عن الامتعاض المذهبي أن آخر قلاع الطبقة الوسطى في الجزيرة العربية هما القطيف والعوامية.

فالتكوين النضالي الذي يتمتع به الشيعة في الشرقية ليس بسبب معتقداهم الدينية فحسب هذا كله يمكن أن ينصب تحت بند القوة المعرفية لأي طبقة وسطى، بل أسهم عدم انخراطهم في فخ وظائف الدولة ببقائهم كطبقة وسطى تمتلك قدراً من الاستقلال المادي عن براثن السلطة.

حسب النظرية الماركسية فإن غالب صفات وظروف تكوين الطبقة البروليتارية مصطلح ماركس الشهير ينطبق على الشيعة وطبيعة قتالهم لدولة آل سعود، وهذا القول ليس ضد أو مع بقدر ما هو من باب الإحاطة بالعلم وتسمية الأشياء بمسمياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى