د. عائشة بكر تكتب: من نوفل لوشاتو إلى طهران.. رحلة الإنتصار…
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
على الرغم من أنّ نوفل لوشاتو قرية صغيرة وهادئة، إلا أنهّا تعتبر في تاريخ إيران رمزا لثورة عظيمة. إنّ هذه القرية التي تقع على بعد 35 كيلومترا جنوب غربي العاصمة باريس، كانت آخر مقر للإمام روح الله الخميني قبل عودته المنتصرة إلى إيران في الثاني عشر من بهمن عام 1357 شمسي، أي الأول من شباط عام 1979.
إستمرّ الإمام روح الله في التواصل مع المعارضة داخل إيران -التي كانت تواجه قمعًا شديدا حينئذ- عبر أشرطة تسجيل بها خطابات يدعو الناس فيها إلى الثبات والإستقامة ومواصلة النضال والثورة، وأكسبته كاريزمته وصدق سريرته في معارضة الشاه ثقلاً أكبر، فتكتّل خلفه الشباب الملتزمون-وهم كُثر- وأصبح صوتهم.
يحتفل الشعب الإيراني كل عام بذكرى عودة الإمام الخميني (قدس) بعد 14 عاما قضاها في المنفى بتركيا والعراق وفرنسا، وبدء أيام عشرة الفجر التي إنتهت بالإعلان عن إنهيار النظام الملكي البائد في 11 شباط/فبراير 1979.
وسميت هذه الأيام بـ”عشرة الفجر”، حيث شكّلت صفحة جديدة في تاريخ إيران، مرتبطة بدايتها بعودة الإمام روح الله الخميني قائد الثورة الإسلامية ومفجرها الكبير من منفاه إلى أرض الوطن، وإنتهت بإنتصار الثورة والإعلان الرسمي عن إنهيار النظام الملكي البائد.
وفي الأول من شباط/ فبراير 1979 عاد الإمام الخميني (رض) إلى طهران من فرنسا، بعد فرار شاه إيران محمد رضا بهلوي.وإحتفالا بعودته الظافرة توجّه نحو خمسة ملايين إيراني من سكان العاصمة طهران والمدن الإيرانية الأخرى إلى مطار مهرآباد الدولي في غرب طهران، لإستقبال الإمام الخميني (رض) الذي عدّ بأنه الأضخم في التاريخ.
ورافق الإمام الخميني (رض)، على متن الطائرة التابعة للخطوط الجوية الفرنسية من طراز بوينغ 747، بعض أنصاره بالإضافة إلى عدد كبير من الصحفيين، ورغم إغلاق السلطات التابعة للنظام الملكي الذي كان مايزال قائما مدرج المطار، ما أدى إلى تأجيل الرحلة لعدة مرات وإطلاق التهديدات بإسقاطها، ونصيحة المقربين بتأجيل عودته حتى إزالة المخاطر الإحتمالية، إلاّ أنّ الإمام أصرّ على العودة، مؤكدا ضرورة الإسراع في إنضمامه إلى صفوف الشعب حتى إسقاط النظام، وهكذا تمّ له ما أراد، وعاد بسلام وفشلت المؤامرة.
وفي الطائرة، ورغم القلق الذي كان يشعر به الكثير من ركابها من إحتمال إستهدافها من قبل قوات النظام الملكي، إلاّ أنّ الإمام الخميني (رض)، بدت عليه علامات الإطمئنان والسكينة حيث كان مبتسما وهادئا طيلة الرحلة ونهض لآداء الصلاة في الطائرة.
وبعد وصوله إلى أرض المطار، كانت لجنة الإستقبال التي شكّلها أنصاره قد أعدت مراسم حافلة بدأت بكلمة ترحيبية، ثم قرأ مجموعة من الشبان نشيدا يشيد بشخصية الإمام الفريدة وقيادته الحازمة للثورة في مواجهة النظام الملكي، فيما كانت صالة المطار مكتظة بالمستقبلين، ومن ثم خرج الإمام الخميني من طهران لتحية الجماهير المليونية التي كانت بإنتظاره، إذ إحتشدت منذ أيام في الشوارع والطرقات المؤدية إلى أرض المطار.توجّه الإمام الخميني إلى مقبرة جنة الزهراء، وألقى كلمة تاريخية ماتزال أصداءها حاضرة في ذاكرة الشعب، وأصبحت الكثير من عباراتها تجري مجرى الأمثال على ألسنة الناس، ومن أبرز ماقاله أنه سيوجه الصفعة الأخيرة للحكومة غير الشرعية، وأنه سيشكّل حكومة ثورية بتأييد وتفويض من الشعب، داعيا إلى مواصلة الإنتفاضة والثورة حتى القضاء النهائي على النظام الملكي العميل للغرب، وتشكيل حكومة تعتمد الإسلام سلوكا ومنهجا واضحا.