آدم الجبران يكتب: إلى وسائل الإعلام: اخجلوا.. فهذه ليست إسراء الغمغام!
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
آدم الجبران
مهما كانت مساوئ النظام السعودي، فهي ليست مبرراً ليكون معارضُ النظام سيئاً يؤسس معارضته على قاعدة الرد بالمثل. هذا ما يريده النظام لمعارضيه، أن ينحدروا بسلوكهم ويتطابقوا- في المفاهيم على الأقل- مع الإعلاميين السعوديين الذين لا يتبنون قضيةً أو فكراً أو قيمة بتطبيلهم للنظام.
يمكنك أن تشعر بالخطأ بمجرد وقوعه، ولا يحتاج ذلك منك أن تكون فطناً أو داهية أو حتى مثقفاً، ويكفي أن تكون إنساناً أولاً، وثانياً مواطناً يلم بالأحداث ويقرأ الواقع ويميز الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والطبيعي من الكارثي.
لنكن أكثر دقة:
(أولاً: وسائل الإعلام الخليجية المناوئة للنظام السعودي، ولا سيما القطرية، وبدون ذكر أسماء)
من الذي فوَّض وسائل الإعلام هذه للدفاع عن قضية الحقوقية المظلومة إسراء الغمغام وتشويه مظلوميتها في الوقت نفسه؟
هل يدركون أنهم يذنبون بحق هذه المعتقلة لمجرد نشر أخبارها تحت صورة الناشطة المعتقلة “سمر بدوي”؟
هذا التشويه الفادح يحدث فقط لعدم توفر صورة لإسراء في أي وسيلة إعلامية، باستثناء صورة وحيدة لها في الطفولة. وعلى طريقة إعلام النظام، يسلبون حقها البسيط خارج السجن مثلما يسلب النظام حقوقها داخل السجن منذ ثلاث سنوات.
من الطبيعي أن إسراء- كغيرها من المعتقلين- لا تحتاج مثل هذا التضامن الماسخ، والمجرد من المهنية والحياء.
ليس من الصعوبة بمكان أن ترفق هذه المواقع الشهيرة صوراً رمزية مثلاً مع الأنباء القادمة عن المعتقلة إسراء، فهذه الصور أهون بكثير من طمس هوية المعتقلة وإبدالها بهوية مواطنتها- المظلومة أيضاً- سمر بدوي.
والفضيحة أن هذه المواقع مستمرة في تناولها شخصية إسراء بهذا السقوط الأخلاقي، ولا يمكن تسمية ذلك بغير “فضيحة”، لكونهم يعلمون تمام العلم أن الصورة لسمر بدوي، فما دلالة هذا التمادي المتواصل؟!
ورغم أن دور هذه المواقع لا يتعدى نقل الأخبار ولا يصل إلى درجة التضامن، إلا أن هذا الدور مهم للغاية لكون هذه المواقع مؤثرة ومقروءة على نطاق واسع، وفي الوقت نفسه ينبغي أن يعمل هؤلاء بما يرضي ضمائرهم ويتناولوا القضية بشكل أخلاقي ولائق بمظلومية فتاة مهددة بالإعدام وتعاني الأمرين داخل السجن ولم تجد دولةً تتضامن معها وتقطع علاقاتها مع السعودية من أجلها.
(ثانياً: المعارضة السعودية بكافة تياراتها)
ومن العجائب أن ينجر البعض من المعارضين السعوديين إلى نشر تغطيات هذه المواقع عن إسراء مع إدراكهم بفداحة الأمر. وإن كنتَ لا تدري فتلك مصيبةٌ.. وإن كنتَ تدري فالمصيبة أعظمُ.
المعارضة السعودية خير من يمثّل مظلومية السعوديين، وإذا كان يرضيهم طمسُ هوية إسراء بهذا الشكل، فما الذي تركوه لنشطاء وإعلاميي النظام إذاً؟
إسراء وغيرها من المعتقلات والمعتقلين بحاجة إلى الشعب كله، وإلى المعارضة السعودية، قبل حاجتهم إلى المنظمات الحقوقية الدولية المؤثرة، فأي تأثير دولي مهما تكن درجته القصوى، لن يكون أكثر أهميةً من الأصوات المعارضة التي تقف في وجه النظام وتشكل مصدر قلق له. وهذه هي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق كل معارض أنجبته جزيرة العرب: أن ينصف إسراء بالقول والفعل.
(ثالثاً: الصورة الحقيقية لإسراء الغمغام)
أكتب من داخل الرياض “تحت اسم مستعار بالطبع” وأعلم أن صوتي ليس مسموعاً كأصوات المعارضين في الخارج، إلى حين تسمح لي الظروف الموضوعية والمادية بالهروب خارج المملكة، والتحدث بصوت عال عن إسراء، وحتى ذلك الوقت، أكتب من داخل الرياض وأؤكد أن كثيراً من المواطنين هنا يعرفون اسم المواطنة من القطيف إسراء الغمغام.
ومهما كنتُ- مثل غيري- مستعاراً ومزيفاً الآن وغير حقيقي، تجنباً للملاحقات والتنكيل بالأهل والأقارب، فإن إسراء فضّلت منذ أعوام أن تكون حقيقية، وتصدحَ باسم المواطن المقهور وتخاطب النظام بلغة “اللاءات” الحرة والأحلام الكبيرة.
كان ذنب إسراء أنها أدارت عدسة الكاميرا نحو متظاهري القطيف عام ٢٠١١ المحتجين ضد نظام يطبخ الإرهاب ويلقي التهم على المواطنين كإرهابيين.
هذه هي السعودية بصورتها الأصلية، وتلك هي إسراء بصورتها الأصلية أيضاً والناصعة بياضاً وحريةً وكرامة.
وإسراء نموذج لكثير من إخواننا الشيعة في أرجاء المملكة، الذين يُظلمون خلف الكواليس بمعايير الكراهية والفجاجة السعودية والتمييز التاريخي، وكلما قرأتُ عن احتجاجات القطيف تلك، وعن التنكيل الذي يتعرض له المعتقلون الشيعة بمن فيهم إسراء وزوجها ورفاقهما، أدركت لماذا كان والدي (الموظف السني في مؤسسة حكومية) في المرات القليلة التي زرنا فيها الشرقية يحرّم دخول القطيف حتى للتجول ولقاء من نعرفهم هناك، فقط لأنها منطقة كرّس فيها النظامُ الشبهات، وجعلها مكاناً مأهولاً بـ”الإرهاب” و”الإرهابيين”.
لا يجرؤ أحد على التعاطف علناً مع إسراء، حتى وقد أصبحت الناشطة السلمية الأولى التي تُهدَّد بالإعدام في تاريخ السعودية، فقط لأنها عبرت عن رأيها ومارست نشاطاً سلمياً لا يخفى على أحد.
وهذا الصمت الشعبي سينقلب آجلاً أم عاجلاً ضد كل المواطنين الذين رضوا على أنفسهم الصمت عن قضية إسراء وكل المعتقلين، كما صمتوا عن مشكلاتهم وغلاء معيشتهم وحقهم في الحصول على بنية تحتية متطورة وخدمات حكومية جيدة. بالإضافة إلى صمتهم عن العيش تحت رحمة قضاء سعودي غير عادل!
من الذي يتبنى قضية إسراء؟ ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليد: منظمات حقوقية قليلة، وحساب متضامن على تويتر. والسؤال هو: هل هذا كل ما بوسع العالم والسعوديين فعله؟
يتم تأجيل جلسات محاكمة إسراء الجلسة تلو الأخرى.. يتغاضون عن مظلومية فتاة عشرينية يتيمة لم تجد محامياً أو ضميراً حياً ينصفها وينتشل أوجاعها من وحل السجون الأسوأ في العالم.. يحاولون الحفاظ على ماء وجوههم بادعاء أنها إرهابية ومحرضة على الإرهاب وتستحق ما يحصل لها، لكن العالم الذي بات قرية صغيرة يعرف من هو الإرهابي ومن هو الثائر.. ومهما طال اعتقال إسراء، يبقى الإرهابي إرهابياً والثائر ثائراً.
التمكين