لماذا يتجنب ترامب التصعيد مع ايران..؟
مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ
صالح القزويني
في مقال سابق تكرمت رأي اليوم بنشره ذكرتُ أن سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه ايران لو كانت ترمي بالفعل الى منعها من تصدير قطرة نفط واحدة عبر حدودها البرية أو مياهها فيتعين عليه نشر أساطيله في مياه الخليج الفارسي وبحر عمان والمحيط الهندي، وكذلك نشر قواته في الحدود البرية لايران.
وبما أن ذلك مستحيل لذلك لجأت الادارة الأميركية الى الخيار الأسهل وهو تهديد البنوك العالمية بفرض عقوبات صارمة عليها اذا حولت عائدات الصادرات الايرانية وخاصة عائدات النفط الى طهران، ولكن بما أن خيارات طهران متعددة في الالتفاف على العقوبات الأميركية؛ فان منع البنوك العالمية من التعامل مع ايران لا يحقق غرض ترامب أيضا.
من الخيارات التي يمكن لايران أن تلجأ اليها هي المقايضة وذلك عبر بيع نفطها وشراء بضائع من البلدان التي تستورده، أو أن تلجأ الى التعامل بالعملة المحلية، أو أن يستلم المتعاملون مع ايران حوالات مالية وصرفها في دول أخرى، وستكون كل هذه الخيارات وغيرها متاحة لطهران فيما لو رفض الاتحاد الأوروبي تفعيل آلية التبادل التجاري مع ايران، بينما لاتزال الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تصر على أنها ستقوم بتفعيل الآلية، وبذلك فلا حاجة للجوء الحكومة الإيرانية الى استخدام الخيارات البديلة.
غير أن الملفت أن طهران تعلن بكل صراحة وعلى لسان الرجل الثاني فيها وهو الرئيس روحاني بأنها ستلتف على العقوبات الأميركية ولاتعبأ بها لأنها غير شرعية، وفي الوقت نفسه فان المتابع للشأن الايراني يلتفت وبشكل ملموس الى تصعيد ايراني ضد الولايات المتحدة، خاصة على الصعيد العسكري.
فمنذ أكثر من 3 أشهر والقادة الايرانيون سواء كانوا سياسيين أو عسكريين يطلقون تصريحات نارية ضد الولايات المتحدة، والى جانب هذه التصريحات فان طهران تقدم بين فترة وأخرى على خطوات عسكرية سواء باختبار أسلحة جديدة أو اطلاق صواريخ الاقمار الصناعية أو اجراء المناورات العسكرية البرية والجوية والبحرية، ورغم كل ذلك فان واشنطن لا تنبس ببنت شفة.
فهل يا ترى أن الولايات تخشى من ايران لتلتزم الصمت تجاه مواقف قادتها أو إجراءاتها السياسية والعسكرية؟
بكلمة أن السبب الرئيس هو خشية ترامب من ارتفاع أسعار النفط، فهو يدرك بشكل جيد أن أي ردود فعل من قبله أو من قبل اي مسؤول في حكومته سيؤدي الى ارتفاع أسعار النفط خاصة اذا كان رد الفعل هذا مقترنا بأفعال وليس مجرد توجيه التهديد.
ويعلم ترامب ايضا أن سعر النفط سيقفز الى أعلى من 100 دولار للبرميل الواحد بل وربما يصل الى 200 دولار لمجرد أن يحرك قطعة بحرية عسكرية باتجاه مياه الخليج الفارسي خاصة أذا أعلن مع تحريكها أن الهدف من ذلك هو لتضييق الخناق على ايران وارغامها على الامتثال لمطالبه.
اليوم يعض ترامب بنواجذه على سعر النفط ليحافظ على أدنى سعر خاصة بعد رفض السعودية غير المباشر بخفض سعره عبر اغراق سوق الطاقة به، فعندما التزمت الرياض بحصتها في اجتماعات منظمة أوبك وأيضا التزمت باتفاقات أوبك بلاس، فانها عملا تنكرت لطلب واشنطن بضخ كميات أكبر من حصتها في السوق ليؤدي الى خفض سعره.
بعد أن وصل ترامب الى قناعة بانه لا يمكن الرهان على أوبك لخفض سعر النفط لجأ الى المخزون الاستراتيجي الاميركي من النفط، لذلك فانه يقرر بين فترة وأخرى بضخ كميات من هذا المخزون لكي لا يقفز سعر النفط، وبما أن اللجوء الى المخزون النفطي يعرض الاقتصاد الاميركي لمخاطر وتحديات كبيرة ويؤثر بشكل مباشر على أسعار النفط لذلك نرى أن بعض وسائل الاعلام تنشر معلومات وأرقام وهمية عن ارتفاع مستوى المخزون الاستراتيجي.
هل هذا يعني أن المواجهة العسكرية بين ايران والولايات المتحدة لن تقع بتاتا؟
من المستبعد وقوع المواجهة على المدى القريب وخاصة حتى انتهاء الفترة الرئاسية لترامب (هذا اذا لم يحجب الكونغرس الثقة عنه)، ولكن بعد انتهاء فترته الأولى وترشيح نفسه لفترة ثانية وفوزه فيها فانه من المتوقع أن يلجأ الى مثل هكذا مغامرة.
ومع أن ترامب صب معظم جهده على تقوية الاقتصاد الاميركي وخفض نفقات معظم الأجهزة الحكومية في الميزانيات السنوية وكذلك التوقف عن المساهمة المالية في العديد من المنظمات الدولية كاليونكسو و منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كما قطع المساعدة المالية لبلاده عن بعض الدول كالأردن؛ غير ان ادارة ترامب حرصت على رفع ميزانية البنتاغون من أجل تعزيز القدرات العسكرية الأميركية ولعل الانسحاب من اتفاقية الصواريخ مع روسيا يصب في هذا الاطار.
رفع مستوى النفقات العسكرية في الوقت الذي تحسر فيه ادارة ترامب نفقات معظم الأجهزة والدوائر وقطع المساهمات الدولية يشير الى أن لدى ترامب خططا لاستخدام الخيار العسكري لحل مشاكل بلاده مع بعض الدول.