لماذا يفرش العرب السجاد الأحمر لكوشنر عراب “صفقة القرن”!؟

مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ

تكشف التصريحات “المقتضبة” التي أدلى بها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره الخاص التي أدلى بها إلى قناة “سكاي نيوز عربية” أثناء توقفه في أبوظبي في بدء جولته لدول مجلس التعاون، أن هناك 4 مبادئ رئيسية تقوم عليها “صفقة القرن” التي يروج لها، وهي الحرية والكرامة والأمن والازدهار الاقتصادي.

وأضاف ان العنصر الأهم في رأينا وهو اندماج “الشعب الإسرائيلي” في المنطقة، والتدفق الحر للسلع والناس، وحل مسألة الحدود وقضايا الوضع الدائم، ولكنه لم يذكر القدس المحتلة طوال لقائه مع المحطة التلفزيونية المذكورة ولو بشكل عرضي.

اختيار خمس دول من مجلس التعاون لزيارتها في جولته هذه (الإمارات، عمان، البحرين، قطر، السعودية) يشي بالهدف الحقيقي من ورائها، وهو ممارسة الضغوط على حكوماتها لتمويل من شقين لهذه الصفقة التي من المقرر أن يتم إعلان تفاصيلها بعد الانتخابات التشريعية الإسرائيلية في التاسع من نيسان (إبريل) المقبل، كحل نهائي للقضية الفلسطينية.

الشق الأول: تقديم تعويضات للاجئين الفلسطينيين مقابل التنازل كليا عن حق العودة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأن قطاع غزة يشكل أحد أكبر تجمع لهؤلاء (80 بالمئة من سكانه لاجئين)، فإن صهر الرئيس الأمريكي يريد أن تقوم دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي بإغراقه بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع اقتصادية تخلق الوظائف للشباب العاطل، وتنسيهم، جوهر قضيتهم الرئيسي أي حق العودة، وإسقاط مقاومة الاحتلال من حساباتهم، وحث دول الجوار على توطين اللاجئين في بلدانها مقابل إغراءات مالية.

الشق الثاني: هو تقديم حوالي 250 مليار دولار تعويضات لليهود العرب الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة بعد عام 1948 دعما للمشروع الصهيوني، فلا يمكن أن تكون هناك تسوية نهائية من وجهة نظر كوشنر، تلميذ نتنياهو النجيب، دون تعويض هؤلاء، وجرى تكليف شركة محاسبة دولية لوضع تفاصيل هذه التعويضات على ضوء وثائق إسرائيلية.

لا نعرف كيف سيكون رد الحكومات العربية التي سيزورها كوشنر والوفد المرافق له، والمكون من جيسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي للقضية الفلسطينية، وبراين هوك، الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون إيران على ما يحمله من طلبات ومشاريع مالية واستثمارية ولعل، وجود مستشار أمريكي للشؤون الإيرانية في الوفد يوحي بأنه، أي المستشار أو المبعوث، ربما يكشف عن مجموعة من العواقب، وربما التهديدات في حال عدم التجاوب، والتلويح “بالخطر الإيراني” المزعوم مثلما حدث في مؤتمر وارسو الأخير.

وكالة “رويترز” نقلت عن دبلوماسيين من دول مجلس التعاون في تقرير لها اليوم أن ملك السعودية الملك سلمان لن يقبل أي خطة سلام لا تشمل دولة فلسطينية عاصمتها القدس وحق العودة، ولكن الكلام العلني والتسريبات الإخبارية شيء، ما يحدث في الغرف المغلقة شيء اخر، ونأمل أن نكون مخطئين، لأن موقف السعودية تجاه هذه الصفقة، سلبا أو إيجابا، سيكون على درجة كبيرة من الأهمية بحكم وضعها المالي القوي، وعلاقاتها الخاصة مع الإدارة الأمريكية الحالية التي تشهد توترا على أرضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، الامر الذي يجعلها في وضع غير قوي لرفض المطالب الأمريكية.

المبادئ الأربعة التي تحدث عنها كوشنر وهي الحرية والكرامة والازدهار الاقتصادي مخصصة للإسرائيليين وليس للعرب، فما قيمتها ومصداقيتها إذا كان كوشنر، عرابها ورئيسه أسقطا القدس المحتلة من أي حل نهائي، وأوقفا المساعدات المالية لوكالة غوث اللاجئين (أونروا) لإنهاء كل ما له علاقة بحق العودة.

صفقة القرن وبالنظر إلى أقوال كوشنر المذكورة انفا تعني ليس فقط التطبيع بين العرب والكيان الصهيوني، وإنما الانتقال إلى مرحلة التحالف بشقيه السياسي والعسكري تحت ذريعة مواجهة “الخطر الإيراني”، وهذا ما قصده الصهر الأمريكي بحرية الحركة وإزالة الحدود، فالمقصود ليس حرية حركة العرب بين دولهم، وإنما الإسرائيليون وبضائعهم، وستظل هذه الحدود على حالها، أي مغلقة “بالضبة والمفتاح” حتى في وجه الفلسطينيين أبرز ضحايا هذه الصفقة في حال تمريرها.

رفض السلطة في رام الله استقبال أي مبعوث أمريكي بما في ذلك كوشنر احتجاجا على هذه الصفقة وضم القدس وتهويدها ونقل السفارة الأمريكية إليها رغم الضغوط الشرسة التي مورست عليها أمريكيا وعربيا و”إسرائيليا” يعكس موقفا وطنيا إيجابيا شريطة أن يستمر، ويترسخ، وما يجعلنا نقول ذلك، أن هذا الموقف يبدو غير مطمئن في ظل استمرار التنسيق الأمني، والاتصالات مع الإسرائيليين.

“صفقة القرن” لا يمكن أن تمر إذا كان هناك رفض فلسطيني قوي، مدعوم بمقاومة حقيقية بكل أشكالها، وما يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا بالنظر إلى ردود الفعل الفلسطينية الرسمية المخجلة، والفاترة تجاه عمليات التطبيع العربية مع كيان الاحتلال وفتح أبوابها لنتنياهو ووزرائه وفرقه الرياضية، وتجاه مؤتمر وارسو الأخير، فلم تخرج مظاهرة واحدة يشارك فيها عشرات الالاف في رام الله أو غزة ضد هذا التطبيع، وهذا أضعف أشكال الوطنية.

إضافة كوشنر لأنقرة في اللحظة الأخيرة لبدء جولته توحي بأن الهدف هو الضغط على الرئيس رجب طيب أردوغان بالموافقة على الشق المتعلق بمدينة القدس في هذه الصفقة، أي تكريسها عاصمة يهودية أبدية لكيان الاحتلال، مقابل بعض العروض المالية والسياسية ربما يتعلق بعضها بالملف السوري، والمأمول أن يكون الرفض التركي لهذه الصفقة نموذجا لبعض العرب الاخرين المتواطئين.

الشعوب العربية والإسلامية، وعلى رأسها الشعب التركي يجب أن تقول “لا” كبيرة لكوشنر وصفقته، لأن مرور هذه الصفقة يعني أنه لن تكون هناك أي كرامة للعرب والمسلمين، وتكريس الاحتلال وتهويد القدس المحتلة إلى الأبد، وتتويج الكيان الصهيوني زعيم للمنطقة.

لا نريد أن نستعجل الحكم.. ولكننا سنظل نراهن على الشعوب العربية وضميرها الوطني الحي، وعقيدتها الراسخة، الأمر الذي يجعلنا على ثقة بأن هذه الصفقة لن تمر، ولن يكتب لها النجاح، بعد أن لدغت هذه الأمة من جحري كامب ديفيد وأوسلو، ولم تجن غير الخيبات والإهانات والإذلال بأشكاله كافة على أيدي الإسرائيليين.

“رأي اليوم” (بتصرف)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى