تاريخ عريق من التطبيع بين اسرائيل وانظمة النفط.. هكذا أفسد “أمراء الخليج” ثورة الشعب المظلوم في فلسطين.
مرصد طه الإخباري
شهدت الأعوام الأخيرة تطورًا متسارعًا في العلاقات بين إسرائيل والدول الخليجية، وظهر ذلك التطور جليًّا من خلال الزيارات السياسية والاقتصادية والرياضية المتبادلة التي أخذ الكثير منها طابعًا علنيًا، والحقيقة أنه ـ وإضافة لما هو معلن ـ قد كان هنالك تاريخ عريق لعلاقات سرية متينة بين تل أبيب وعواصم خليجية.
شواهد من التاريخ الحديث على التطبيع
يبدو أن أكبر تطوّر في العلاقات الخليجية – الإسرائيلية، جسّدته الزيارة الرسمية التي أجراها نتنياهو نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلى سلطنة عمان.
وبحسب مكتب نتنياهو، فإن الزيارة جاءت تلبيةً لدعوة من السلطان قابوس “عقب اتصالات مطوّلة أجريت بين البلدين”، هذه الاتصالات لم تكن وليدة اليوم، وقد تجلى عمقها التاريخي من خلال قول يوسف بن علوي بن عبد الله، الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بالسلطنة، خلال قمة أمنية بالبحرين، إن “إسرائيل دولة موجودة بالمنطقة ونحن جميعًا ندرك ذلك”.
وبعدها وصل وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى مسقط، للمشاركة في مؤتمر النقل الدولي الذي أقيم خلال الفترة من 6 إلى 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018. ووصف “كاتس” الزيارة بأنها “تاريخية ستحسن العلاقات بين إسرائيل وسلطنة عمان”.
وعلى الجانب الآخر من الحدود العُمانية وعقب زيارة نتنياهو، كانت هناك زيارة إسرائيلية أخرى رفيعة المستوى إلى الإمارات، إذ وصلت وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، إليها على رأس وفد رياضي للمشاركة في بطولة عالمية للجودو أقيمت بالعاصمة أبوظبي.
وتبع ذلك زيارة أجراها وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، إلى إمارة دبي بالإمارات في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وألقى فيها خطابًا أمام مؤتمر دولي حول أمن المعلومات والاتصالات.
كما شهد شهر مارس/آذار 2018، زيارة أجراها إسرائيليون إلى الإمارات، وكشفت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، وقتها، عن مشاركة رسمية إسرائيلية في سباق كأس العالم للراليات الصحراوية (كروس كانتري)، الذي أقيم في أبو ظبي.
إضافة إلى مشاركة فريق دراجات إماراتي في سباق “جيرو دي إيطاليا”، الذي جرى بمدينة القدس المحتلة مطلع مايو/ أيار 2018.
أما البحرين فقد شاركت بدورها في ذات السباق بفريق رياضي أيضًا، لكن مشاركة الفريق الرياضي البحريني في سباق الدراجات، لم تكن الحالة الوحيدة الدالة على تطور علاقات المنامة بتل أبيب، فقبلها بأيام ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن مملكة البحرين كانت تجري حوارًا سريًا مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بين الجانبين، وبحسب الصحيفة، فإن الحوار يهدف إلى “التوصل إلى صيغة تمكن الجانبين من الإعلان عن عودة العلاقات بشكل علني”.
أما عن قطر فإن هنالك فريقًا رياضيًا إسرائيليًا وصل العاصمة الدوحة، للمشاركة في بطولة العالم للجمباز، والتي اختتمت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، هذا غير مكتب التمثيل التجاري.
وأما السعودية، فالشواهد كثيرة، فقد دعا ليبرمان إلى تعزيز التعاون بين إسرائيل والسعودية ضد إيران وفروعها بالمنطقة، وفي يوليو/تموز من العام 2016، أجرى ضابط الاستخبارات السعودي السابق، اللواء أنور عشقي، زيارة إلى إسرائيل استمرت أسبوعًا كاملًا، على رأس وفد ضم عددًا من رجال الأعمال والأكاديميين السعوديين، والتقى اللواء “عشقي” والوفد المرافق له، خلال الزيارة، أمين عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، ومنسق نشاطات الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، الجنرال يوآف مردخاي. ورغم غياب أي حديث رسمي سعودي عن علاقات أو محادثات مع إسرائيل، إلا أن صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، قالت في تقرير لها العام 2017، إن هناك محادثات اقتصادية بين تل أبيب والرياض، شملت عمل شركات إسرائيلية في الخليج والسماح للطيران المدني الإسرائيلي بالتحليق فوق المملكة. وكانت السعودية سمحت لشركة الطيران الهندية “إير إنديا” باستخدام مجالها الجوي لتسيير رحلات جوية بين مطار مومباي بالهند وتل أبيب في مارس 2018.
قبل ذلك وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفي مقابلة مع موقع إيلاف الإخباري، قال رئيس الأركان الإسرائيلي غادي أيزنكوت “نحن مستعدون لتبادل الخبرات مع الدول العربية المعتدلة، وتبادل المعلومات الاستخبارية لمواجهة إيران”، مضيفًا ردًّا على سؤال عمّا إذا كانت هناك مشاركة معلومات مع السعودية: “نحن مستعدون للمشاركة في المعلومات إذا اقتضى الأمر”، وأكد رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي “أن هناك توافقًا تامًا بين إسرائيل والسعودية التي لم تكن يومًا من الأيام دولة عدوة”.
وعلاوةً على التقارب الخليجي الإسرائيلي، سارت مرحلة توطيد علاقات تل أبيب مع دول عربية كالأردن ومصر، عبر دول الخليج نفسها.
محطات التطبيع عبر التاريخ (شواهد من التاريخ القديم)
تاريخ التطبيع الخليجي الإسرائيلي في مراحله السرية قديم قدم التاريخ، وهنالك محطات تاريخية كثيرة دلت على تعاون خليجي إسرائيلي، منها:
ـ عملية أولندي ماعوف:
في عام 1981، ضلت سفينة صواريخ إسرائيلية طريقها وعبرت مضيق تيران صوب شواطئ السعودية، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتوسط بين إسرائيل والسعودية للسماح بإنقاذ السفينة، وتم إطلاق عملية “أولندي ماعوف” لإنقاذ السفينة والطاقم بالتعاون بين القوات الخاصّة الإسرائيلية والقوات الخاصّة السعودية واستمرت عملية الإنقاذ 62 ساعة. وظلت العملية سرّية حتى كشفت عنها صحيفة “هآرتس” العبرية في 16 أبريل/نيسان 2016.
ـ عبدالعزيز يرفض الحرب معهم:
“واجه عبدالعزيز محنةً صعبةً هددت العرش السعودي نتيجة انخفاض عائدات الحج والإسراف والتبذير الذي سببه حكمه الفوضوي والفردي والعشوائي، فقامت الحكومة الأمريكية بالتدخل لإنقاذ العرش السعودي ماليًا مقابل تعهد عبدالعزيز للرئيس الأمريكي، هاري ترومان، بأن لا تشارك السعودية أبدًا في أية حروب يشنها العرب ضد إسرائيل لاستعادة فلسطين”. (مجلة نيوزويك وصحيفة الواشنطن بوست, 17 فبراير/شباط 1992).
ـ تسريبات ألكساندر بلاي:
ذكر الباحث ألكساندر بلاي، من معهد ترومان، في مقال كتبه في مجلة العلوم السياسية الفصلية “جيروزاليم كوارترلي” تحت عنوان “نحو تعايش إسرائيلي – سعودي سلمي”: أن ” السعودية وإسرائيل قامتا ببناء علاقة حميمة وكانتا على اتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962بهدف ما أسماه “منع عدوهما المشترك” – أي عبدالناصر – من تسجيل انتصار عسكري في الجزيرة العربية” وقال في موضع آخر إنه: “أجرى مقابلة مع السفير الإسرائيلي السابق في لندن، آهارون ريميز (1965 – 1970)، الذي أعلمه أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة حميمة مع إسرائيل وعلى اتصال وثيق معها”.
ـ تصريحات جورج كيفان:
قال الجنرال الأمريكي جورج كيفان، رئيس مخابرات سلاح الجو الأمريكي، أثناء مؤتمر عقد في واشنطن عام 1978 لدراسة التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط: “لقد حدثت خلال الخمسة عشر عامًا المنصرمة ثلاث محاولات على الأقل للإطاحة بالعرش السعودي عن طريق اغتيال الملك، ونحن على دراية بأن المخابرات الإسرائيلية تدخلت وأحبطت محاولتين منها”.
وأيد كلامه ثلاثة من كبار العسكريين الأمريكيين المشاركين في المؤتمر هم الجنرال آرثر كولينز، نائب قائد القوات الأمريكية في أوروبا، والأدميرال إلمو زومريلت، قائد العمليات البحرية الأمريكية، والجنرال بنجامين دافيس، قائد القوات الضاربة الأمريكية، وذكرت صحيفة “دافار” في أحد أعدادها الصادرة في يناير/كانون الثاني 1986، أن عدداً من مقربي شمعون بيريز اجتمعوا مع اثنين من المبعوثين السعوديين في المغرب وأشرف وزير الداخلية المغربي على ترتيب اللقاء وقدّم الإسرائيليون فيه معلومات حول مخطط لاغتيال عدد من أفراد الأسرة السعودية المالكة.
ـ إسرائيل وعمان.. حبل المودة:
قام إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بزيارة لعمان عام 1994، وحظي باستقبال السلطان قابوس، وبعد اغتيال رابين عام 1995 استضاف رئيس الوزراء المؤقت، آنذاك شمعون بيريز، وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في القدس.
ووقعت إسرائيل وعمان في يناير/كانون الثاني 1996 اتفاقًا حول الافتتاح المتبادل لمكاتب التمثيل التجاري. وإلى ذلك فإن عمان لم تنخرط في الحروب العربية الإسرائيلية على الإطلاق.
ـ تسريبات ويكيليكس:
في عام 2011 كشفت برقيات لـ “ويكيليكس” نشرتها صحيفة “هارتس” العبرية، بعض العلاقات الخفية بين المسؤولين البحرينيين والإسرائيليين. منذ المؤسس وإلى لقاء سفير الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2005 بملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وكشف عن وجود اتصال بحريني مع وكالة الاستخبارات الوطنية الإسرائيلية الموساد.
ـ إخماد الثورة الفلسطينية بأيدي الحاكم الخليجي:
في عام 1936 تم إخماد الثورة الفلسطينية فأعقب ذلك احتلال فلسطين ونكبتها عام 1948 والسبب أنه عندما كانت فلسطين مستعمرة من قبل الإنكليز وكان الشعب آنذاك في حالة ثورة وتمرد وعصيان وإضراب شامل استمر 183 يومًا ضد الاستعمار الإنكليزي، لم يستطع الاستعمار وقتها من إيقاف هذه الثورة فلجأ إلى أساليب القمع والسجون والتشريد، ولمّا عجز عن كسر طوق ذلك الإضراب الشهير حاولت الحكومة البريطانية في يوم 8 مايو/أيار 1936 أن تخفّف من الاستياء الشعبي “بإيفاد لجنة تحقيق ملكية لتحري أسباب الثورة ووضع الحلول المناسبة”، لكن عرب فلسطين رفضوا هذه اللجنة وحلولها والتي قصد بها الاستعمار كسر الإضراب وإخماد الثورة.
وبعد الفشل الذريع للحكومة البريطانية من إخماد هذه الثورة العارمة، قررت أن تستخدم نفوذها عن طريق الأمراء والحكام العرب في ضرب هذه الثورة، ولم يجد الإنكليز آنذاك ملجأً إلا ملك (السعودية) عبد العزيز آل سعود الذي وجدوا ما يصبون إليه، فيومها بعث عبد العزيز برسالة إلى الفلسطينيين كتبها مستشاره جون فيلبي باسم القادة العرب ـ والمقصود بالقادة العرب آنذاك عبد العزيز وحكام الخليج ـ وبعثها بواسطة رئيس اللجنة العليا، أمين الحسيني، وأطلقوا على هذه الرسالة اسم “النداء”.
ويقول عبد العزيز في هذه الرسالة: “إلى أبنائنا الأعزاء عرب فلسطين، لقد تألمنا كثيرًا للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع ملوك العرب والأمير عبدالله ندعوكم للإخلاد إلى السكينة وإيقاف الإضراب حقنًا للدماء، معتمدين على الله وحسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم”.
هذه البرقية التي بعثها عبد العزيز كانت قاصمة ظهر للشعب الفلسطيني، بل كانت لصالح الاستعمار البريطاني، ما أسفر عن انقسام الشعب الفلسطيني وشيئًا فشيئًا مهدت خيانات قادة السعودية والخليج لبداية المساومات والتنازلات في القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني، ولا زالت آثارها باقية حتى اليوم.
اشترك معنا في مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ على تليغرام
https://telegram.me/TahaNews