هل تنفجر العلاقات الأميركية السعودية؟
مرصد طه الإخباري
د. وفيق إبراهيم
هذا احتمال ممكن بالتحليل النظري فقط نتيجة للاستخفاف الكبير الذي يعامل به الرئيس الأميركي دونالد ترامب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان.
يبتزّ منهما أموالاً بمئات مليارات الدولارات ومرات عدة على التوالي، ولا يخجل من عرض مضمون مكالماته الهاتفية معهما، وسط مهرجانات لمؤيّديه يحضرها الآلاف، فيقول «قلت للملك نحن نحميك وأنت ضعيف ولا تستطيع الدفاع عن مملكتك التي نحميها نحن عنكم، لذلك فإنّ عليكم أن تدفعوا دائماً اليوم»، فنال في المرة الأولى “400 مليار دولار” .
ويضيف ترامب للجمهور بأنه نال «في مكالمة هاتفية واحدة من الملك سلمان 500 مليون دولار»، متابعاً بأنّ الملك وعده بأموال إضافية في الموازنات المقبلة.
أما الأكثر طرافة فما قاله سلمان له بأنّ الرؤساء الأميركيين السابقين لم يفعلوا معه هذا الأمر أبداً فأجاب ترامب بأنهم أغبياء وأنّ حماية المملكة مكلفة وعليه أن يدفع لأنّ السعودية لا تملك إلا المال».
توحي هذه المحادثات ونتائجها بوجود وسيط سمسار ومبتزّ يترأس البيت الأبيض الأميركي، متسماً بضعف في الحرفية الدبلوماسية والسياسية ولا يجيد فنون تحصيل الأموال على الطريقة الأميركية الكلاسيكية بواسطة شركات ومشاريع وبيع أسلحة وعمولات، فأصبحت الطريقة هي: «ادفع او ندعك تسقط». فهل هذا صحيح؟
للولايات المتحدة الأميركية مئات العلاقات مع دول تابعة لها بنظام التحالفات التاريخية والتبعية السياسية، لكن ترامب لا يتجرّأ على معاملتها كما يفعل مع آل سعود.
هناك ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، فهل سبق له أن خاطب مستشارة المانيا ميركل بأسلوب ابتزازي فيه وقاحة… ومثلها اليابان، قد يقيم مصالح اقتصادية مشتركة معهما، لكنها لا تقوم إلا على التوازن وقد تجنح قليلاً لمصلحة بلاده، لكنه لا يستخفّ بالمؤسسات السياسية للبلدين أو بقيادتيهما!
ومن الممكن أيضاً قياس طريقة علاقة الإدارة الأميركية ببلدان معادية للسياسات الأميركية مثل إيران وسورية وكوريا الشمالية او بلدان لديها علاقات تاريخية معها مثل تركيا وتأبى التعامل الأميركي معها على الطريقة الانصياعية والاستتباعية.
فإيران مثلاً تتبادل الانتقادات السياسية مع البيت الأبيض وترفض القبول بطلباته ولا ترضخ لعقوباته وحصاره. فهذه ترسل رسائل هجومية وتلك تردّ وسط أعنف مظاهر استنفارات عسكرية من الطرفين.
بدورها سورية لا تزال تقاوم الهجمات الأميركية عليها ولا تنحني، هزمت الإرهاب الأميركي الخليجي الاسرائيلي وتواصل قتال المحتلين الأميركي والتركي برأس شامخ.
أما كوريا الشمالية البلد الصغير الذي لقن الأميركيين كيف يمكن لبلد متواضع ان يرغم الامبراطورية الأميركية على التراجع عن فكرة استهدافها الى القبول بمفاوضات مفتوحة معها.
هذا إلى جانب تركيا التي ترتبط بالأميركيين منذ الحرب العالمية الثانية 1945 وهي عضو في حلف الناتو بالتأسيس وأدّت دور حائط صدّ أميركياً في وجه الاتحاد السوفياتي. تركيا اليوم ترفض أمراً أميركياً بمنعها عن شراء منظومات سلاح روسي وتلعب في ميادين سورية والعراق بسياسات خاصة بها وتتعارض في معظم الأوقات مع المشروع الأميركي الكبير.
فما الذي يسمح لترامب بتوجيه إهانات متكررة لآل سعود، ويضبط نفسه أمام قادة الدول الأخرى؟
يعرف ترامب انّ الخليج تحكمه عائلات على طريقة إدارة القبائل في القرون الوسطى ويعلم منذ كان ينسج الصفقات الاقتصادية في تلك المنطقة قبل توليه الرئاسة الأميركية بعدم وجود دول حديثة، فهناك مافيات عائلية تجبي أموال النفط وتُنفق منه على شركات وأسلحة وإعلام غربي وسمسرات ورشى ومكرمات.
لذلك بدا ترامب أكثر استيعاباً من أسلافه في البيت الأبيض بفهم ملكيات وإمارات الخليج وهي الحقائق: إنها ليست دولاً فيها استراتيجيات ثابتة وسياسات متحركة، هناك ملك أو أمير يقرّر توزيع المال ومنعه حسب مصالحه الشخصية ولا يرتبط بموازنات او بقوى سياسية تراقبه.
ثانياً: إنّ المال العام في هذه الدول هو للسلطان يديره كيفما يشاء.
ثالثاً: إنّ أبناء الخليج هم رعايا يعيلهم الملك الأمير بأمواله التي يعتبرها أمواله الخاصة، لذلك فلا يحق لهم الاعتراض او الانتقاد فيأكلون ويشربون ويعيشون على السمع لأوامر الملك الأمير وإطاعتها من دون سؤال أو حتى همهمة.
هذا ما فهمه ترامب قبل غيره، وعرف أنّ استمرار هذه العروش رهن بالحمايات الأميركية.
لكن أعمق ما استوعبه هو أنّ الممالك لا قدرة لها على الانسحاب من ولاءاتها للأميركيين، فهذا يؤدّي على الفور إلى سقوط أنظمتها من رعاياها الذين يترقبون فرصاً للتمرّد على هذا السجن السعودي الكبير.
فلم يعد يكفي أن يعلن محمد بن سلمان تمرّداً على الأميركيين الذين قد يدعمون على الفور مجموعة سعودية أخرى لإطاحته فوراً وهو يعرف ذلك وما عليه إلا الانصياع والدفع مقابل الحماية للأحمق المستوطن في البيت الابيض.
ما هو الحلّ؟
هو عند سكان الجزيرة العربية الذين بوسعهم إلغاء الابتزاز الأميركي والتحوّل دولة فعلية، عندما يصبح بوسعهم طرد مشيخات القرون الوسطى من السعودية وجاراتها الأكثر تخلفاً.
اشترك معنا في مٌرَصّدِ طُِه الُإٌخبّارَيَ على التليغرام