كشف سر انعطافة تركيا تجاه سوريا: هذا ما حدث في قمة ‘أستانة’ بطهران

مرصد طه الأخباري، بدا لافتاً وبقوة خلال الأيام الأخيرة الماضية تركيز مسؤولي وإعلام حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم على مهاجمة الدور الغربي في سوريا، بالتزامن مع الحديث المتزايد عن تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية وضرورة التوصل لاتفاق بين المعارضة السورية والنظام، وهو الحديث الذي بدأ يطغى على التصريحات الصادرة عن أنقرة بشكل مركّز منذ عقد قمة دول “أستانا” في العاصمة الإيرانية طهران، في التاسع عشر من تموز/يوليو الماضي.

الحديث عن مؤامرة غربية، ومهاجمة الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في سوريا لم يغِب عن حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب عودته من أوكرانيا يوم الجمعة، حيث أكد في حديث للصحفيين أنه “يجب ضمان السير بخطوات متقدمة مع سوريا، وذلك في سبيل تعطيل عدد من المؤامرات في هذه المنطقة من العالم الإسلامي”.

ولفت أردوغان إلى أن “الولايات المتحدة وقوات التحالف هي التي تغذّي الإرهاب في سوريا بشكل أساسي”.

وإذا كان الحديث عن التطبيع مع دمشق أصبح القاسم المشترك لأحزاب التحالف الحاكم وغالبية قوى المعارضة التركية، حيث صدرت تصريحات متزامنة عن الطرفين مؤخراً بهذا الخصوص، فإن مهاجمة الدورين الأمريكي والأوروبي في ما يتعلق بالملف السوري وتوجيه الاتهامات لهما بهذا الخصوص بدأ وبشكل مركّز منذ عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قمة طهران، حيث طالب بخروج القوات الأمريكية من سوريا على الفور، متهماً واشنطن بدعم الإرهاب في المنطقة، وتحديداً حزب العمال الكردستاني PKK، وهو موقف مثير بالنظر إلى أنه جاء بعد أسابيع قليلة فقط على الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بخصوص انضمام دول جديدة إلى حلف الناتو.

صحيح أن هذه لم تكن المرة الأولى التي تتهم فيها أنقرة واشنطن بدعم التنظيمات الإرهابية “بهدف زعزعة أمن تركيا أو تهديد مصالحها”، إذ لطالما كانت قضية التعاون العسكري بين ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وقوات التحالف التي تقودها واشنطن، قضية توتر شديد بين القوتين الكُبرَيين في حلف شمال الأطلسي، سبباً لأزمات بينهما منذ عام 2015.

إلا أن الدعوة لانسحاب الولايات المتحدة من سوريا، بدت لافتة جداً، ولم يكن وارداً الاقتصار في التعامل معها على أساس أنها مجرد تصريحات تجامل شريكي أستانا وخصمي أمريكا التقليديين، روسيا وإيران، بل كان واضحاً أنها تتجاوز ذلك.

بل إن مجرد طرح الصحفي هذا السؤال على أردوغان في طائرة العودة، لم يكن عفوياً من وجهة نظر الكثيرين، وعزّز من هذه الوجهة مسارعة وسائل الإعلام التركية إلى نشر الإجابة عنه، وتكثيف الحديث حوله طيلة الساعات التالية لنشره، ناهيك عن استمرار حضور مطالبة الولايات المتحدة بسحب قواتها من سوريا، والعمل على شرح وتبرير ذلك للجمهور المحلي في وسائل الإعلام التركية، وعلى وجه التحديد التابعة أو المقرّبة من حزب العدالة والتنمية.

بل إن جريدة مقرّبة من الحزب الحاكم لم تتردد عن تحميل الغرب والأمبريالية المسؤولية عما لحق بسوريا من خراب وتدمير.

معلومات جديدة لدى أنقرة

لكن مصدراً في المعارضة السورية أبلغ “أورينت نت” أن التصعيد التركي الأخير ضد الدور الغربي في القضية السورية، والتركيز على المطالبة بانسحاب الولايات المتحدة سببه حصول أنقرة على معلومات وأدلة جديدة تؤكد أن واشنطن تعمل على إقامة كانتون كردي شمال شرق سوريا.

ورغم أن تركيا دأبت على اتهام الولايات المتحدة بذلك على الدوام، إلا أن المصدر، الذي يقول إنه ينقل عن مسؤولين في حزب العدالة والتنمية، ادّعى “أن روسيا وإيران قدّمتا للرئيس أردوغان معلومات وأدلة جديدة وقوية هذه المرة تؤكد على ذلك، بل وتُظهر استمرار العمل الأمريكي مع ميليشيا قسد من أجل استكمال هذا المشروع، الأمر الذي جعل الرئيس التركي غاضباً بشدة، ودفعه للمطالبة بانسحاب فوري للقوات الأمريكية من المنطقة”.

وحول طبيعة هذه الأدلة وكيفية حصول الروس والإيرانيين عليها، يقول المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إنها تتضمن على الأغلب معطيات تُثبت مواصلة واشنطن العمل على مساعدة “قسد” من أجل استكمال تجهيز مناطق سيطرتها في شرق الفرات من أجل الوصول إلى حالة الإقليم كما هو الحال في الإقليم الكردي شمال العراق، ضمن مشروع التقسيم الذي يتّهم خصوم الولايات المتحدة الإدارة الأمريكية بالعمل عليه، أما عن كيفية الحصول على هذه الأدلة، فمن المتوقع أن يكون مصدرها، كما يقول، قادة في “قسد” قدّموها لطهران أو موسكو، إما نكاية بأمريكا، التي يتهمونها بالتقصير في الوقوف إلى جانبهم مؤخراً، أو بحكم عمالتهم لهاتين الدولتين، حسب قوله.

ورقة عمل للجانب التركي

ويصل المصدر إلى النقطة الأهم في ما جرى بين أطراف محور أستانا خلال قمة طهران، والتي يرى أنها تفسر التصريحات والمواقف التركية بالفعل، كاشفاً عن أن الروس والإيرانيين قدّموا ورقة عمل للجانب التركي، تقوم على إطلاق مسار حل دبلوماسي جديد وصُلب هذه المرة، عنوانه التوقف بشكل نهائي عن المطالبة بتغيير النظام في سوريا، والتركيز بدلاً من ذلك على الوصول إلى تغيير سياسي، عبر دعوة الطرفين، إلى طاولة مفاوضات جدّية تنتهي بإبرام اتفاق بين الطرفين على ألّا يأخذ ذلك وقتاً طويلاً.

وحول ما إذا كان هناك أي موقف أمريكي من هذه التطورات ختم المصدر: “أستطيع أن أؤكد أن الولايات المتحدة بدأت عقب قمة طهران بالعمل على تعزيز وجودها العسكري في سوريا من أجل قطع الطريق على مشروع الحل هذا، ووجّهت رسائل جديدة أكدت فيها أن المسار الوحيد المقبول هو مسار جنيف وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، مشددة على أنها لن تتسامح حيال التطبيع مع دمشق، كما إنها لن تُفرِج عن أي أموال تتعلق بإعادة الإعمار في سوريا قبل الوصول إلى حل سياسي عادل ومُرضٍ للجميع”.

من الواضح إذاً أن تركيا قد حسمت أمرها في إنجاز حل سياسي وفق التصورات الروسية للقضية السورية، وبغضّ النظر عن ترويجها القوي لوجود مؤامرة غربية-أمريكية، إلا أن المؤكد هو توافق أطراف أستانا على الشروع بخطوات الحل هذه، بدون الأخذ بالاعتبار التحفظات أو حتى الرفض الأمريكي، في وقت لا يبدو فيه أن لدى واشنطن، على الأقل الآن، أي رؤية أو إستراتيجية واضحة فيما يتعلق بسوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى